بِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ، هُزُوًا أَيِ استهزأ.
[٥٧] ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ﴾ [الكهف: ٥٧] وُعِظَ، ﴿بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا﴾ [الكهف: ٥٧] تَوَلَّى عَنْهَا وَتَرَكَهَا وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهَا، ﴿وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ [الكهف: ٥٧] أَيْ مَا عَمِلَ مِنَ الْمَعَاصِي مِنْ قَبْلُ، ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ [الكهف: ٥٧] أغطية، ﴿أَنْ يَفْقَهُوهُ﴾ [الكهف: ٥٧] أَيْ يَفْهَمُوهُ يُرِيدُ لِئَلَّا يَفْهَمُوهُ، ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ [الكهف: ٥٧] أَيْ صَمَمًا وَثِقَلًا، ﴿وَإِنْ تَدْعُهُمْ﴾ [الكهف: ٥٧] يا محمد ﴿إِلَى الْهُدَى﴾ [الكهف: ٥٧] إِلَى الدِّينِ، ﴿فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف: ٥٧] وَهَذَا فِي أَقْوَامٍ عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
[٥٨] ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الكهف: ٥٨] ذو النعمة ﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ﴾ [الكهف: ٥٨] يعاقب الكفار، ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ [الكهف: ٥٨] مِنَ الذُّنُوبِ ﴿لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ﴾ [الكهف: ٥٨] فِي الدُّنْيَا، ﴿بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ﴾ [الكهف: ٥٨] يَعْنِي الْبَعْثَ وَالْحِسَابَ، ﴿لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ [الكهف: ٥٨] ملجأ.
[٥٩] ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ﴾ [الكهف: ٥٩] يَعْنِي قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمَ لُوطٍ وَغَيْرَهُمْ، ﴿لَمَّا ظَلَمُوا﴾ [الكهف: ٥٩] كفروا، ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٥٩] أَيْ أَجَلًا، قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ (لِمَهْلَكِهِمْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ، وَقَرَأَ حَفْصٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وكذلك في النمل ﴿مَهْلِكَ﴾ [النمل: ٤٩] أَيْ لِوَقْتِ هَلَاكِهِمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَيْ: لإهلاكهم.
[٦٠] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ [الكهف: ٦٠] عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: إِنَّهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مُوسَى بْنُ مِيشَا مِنْ أولاد يوسف. والأول أصح ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ﴾ [الكهف: ٦٠] يُوشَعَ بْنِ نُونَ، ﴿لَا أَبْرَحُ﴾ [الكهف: ٦٠] أَيْ لَا أَزَالُ أَسِيرُ ﴿حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: ٦٠] أي وَإِنْ كَانَ حُقُبًا أَيْ دَهْرًا طَوِيلًا وَزَمَانًا، وَجَمْعُهُ أَحْقَابٌ، وَالْحِقَبُ: جَمْعُ الْحِقْبِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: وَالْحِقْبُ ثَمَانُونَ سَنَةً، فَحَمَلَا خُبْزًا وَسَمَكَةً مَالِحَةً حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي عِنْدَ مجمع البحرين ليلا.
[٦١] فذلك قوله: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا﴾ [الكهف: ٦١] يَعْنِي مُوسَى وَفَتَاهُ، ﴿مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا﴾ [الكهف: ٦١] أي: بين الفريقين، ﴿نَسِيَا﴾ [الكهف: ٦١] تركا، ﴿حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١] وَإِنَّمَا كَانَ الْحُوتُ مَعَ يُوشَعَ، وَهُوَ الَّذِي نَسِيَهُ وَأَضَافَ النِّسْيَانَ إِلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا تَزَوَّدَاهُ لِسَفَرِهِمَا، كَمَا يُقَالُ: خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَحَمَلُوا مِنَ الزَّادِ كَذَا وَإِنَّمَا حَمَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، ﴿فَاتَّخَذَ﴾ [الكهف: ٦١] أَيِ الْحُوتُ، ﴿سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ﴾ [الكهف: ٦١] أي مسلكا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ الْحُوتُ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا يَبِسَ حَتَّى صَارَ صَخْرَةً.
[قوله تعالى فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ] لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا....
[٦٢] قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَا﴾ [الكهف: ٦٢] يَعْنِي ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَهُوَ مَجْمَعُ البحرين، ﴿قَالَ﴾ [الكهف: ٦٢] موسى ﴿لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا﴾ [الكهف: ٦٢] أَيْ طَعَامَنَا، وَالْغَدَاءُ مَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ غُدْوَةً، وَالْعَشَاءُ مَا يُعَدُّ لِلْأَكْلِ عَشِيَّةً، ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا﴾ [الكهف: ٦٢] أَيْ تَعَبًا وَشِدَّةً وَذَلِكَ أَنَّهُ


الصفحة التالية
Icon