[٨٥] ﴿فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٥] أي: سلك وسار طريقا، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: فَاتَّبَعَ ثم اتبع موصولا مشددا، قرأ الْآخَرُونَ بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَجَزْمِ التَّاءِ: وَقِيلَ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَطَعَ الْأَلِفَ فَمَعْنَاهُ أَدْرَكَ وَلَحِقَ، وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ فَمَعْنَاهُ سَارَ، يُقَالُ: مَا زِلْتُ أَتْبَعُهُ حَتَّى أَتْبَعْتُهُ أَيْ: مَا زِلْتُ أَسِيرُ خَلْفَهُ حَتَّى لَحِقْتُهُ. وَقَوْلُهُ: سَبَبًا أَيْ طَرِيقًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْزِلًا.
[٨٦] ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ (حَامِيَةٍ) بِالْأَلِفِ غَيْرِ مَهْمُوزَةٍ، أَيْ حَارَّةٍ، وقرأ الآخرون ﴿حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] مَهْمُوزًا بِغَيْرِ الْأَلِفِ أَيْ ذَاتُ حَمْأَةٍ، وَهِيَ الطِّينَةُ السَّوْدَاءُ، وَسَأَلَ مُعَاوِيَةُ كَعْبًا: كَيْفَ تَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ؟ قَالَ: نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهَا تَغْرُبُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ [الكهف: ٨٦] أَيْ عِنْدَهَا عَيْنٌ حَمِئَةٌ أَوْ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ. ﴿وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا﴾ [الكهف: ٨٦] أي عند العين أمة ﴿قُلْنَا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ﴾ [الكهف: ٨٦] يَسْتَدِلُّ بِهَذَا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْإِلْهَامُ، ﴿إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ﴾ [الكهف: ٨٦] يَعْنِي إِمَّا أَنْ تَقْتُلَهُمْ إِنْ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ، ﴿وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ [الكهف: ٨٦] يَعْنِي تَعْفُو وَتَصْفَحُ. وَقِيلَ: تَأْسِرُهُمْ فَتُعَلِّمُهُمُ الْهُدَى، خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.
[٨٧] ﴿قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ [الكهف: ٨٧] كفر، ﴿فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ﴾ [الكهف: ٨٧] أَيْ: نَقْتُلُهُ، ﴿ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ﴾ [الكهف: ٨٧] فِي الْآخِرَةِ ﴿فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا﴾ [الكهف: ٨٧] أَيْ: مُنْكَرًا يَعْنِي بِالنَّارِ، وَالنَّارُ أَنْكَرُ مِنَ الْقَتْلِ.
[٨٨] ﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى﴾ [الكهف: ٨٨] قرأ حمزة والكسائي وأبو جعفر ويعقوب ﴿جَزَاءً﴾ [الكهف: ٨٨] مَنْصُوبًا مُنَوَّنًا أَيْ: فَلَهُ الْحُسْنَى جزاء نصب على المصدر، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْإِضَافَةِ، والحسنى الجنة وإضافة الحسن إليها كما قال: ﴿وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ﴾ [الأعراف: ١٦٩] وَالدَّارُ هِيَ الْآخِرَةُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بالحسنى عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ. ﴿وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ [الكهف: ٨٨] أَيْ نُلِينُ لَهُ الْقَوْلَ وَنُعَامِلُهُ بِالْيُسْرِ مِنْ أَمْرِنَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُسْرًا أَيْ مَعْرُوفًا.
[٨٩] ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٩] أَيْ سَلَكَ طُرُقًا وَمَنَازِلَ.
[٩٠] ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ﴾ [الكهف: ٩٠] أَيْ مَوْضِعَ طُلُوعِهَا، ﴿وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا﴾ [الكهف: ٩٠] قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّمْسِ سِتْرٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوُا فِي مَكَانٍ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ بِنَاءٌ، فَكَانُوا يَكُونُونَ فِي أَسْرَابٍ لَهُمْ حَتَّى إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْهُمْ خَرَجُوا إِلَى معايشهم وحروثهم.
[٩١] قوله عز وجل: ﴿كَذَلِكَ﴾ [الكهف: ٩١] قِيلَ: مَعْنَاهُ كَمَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ كَذَلِكَ بَلَغَ مَطْلِعَهَا،


الصفحة التالية
Icon