رَدَّ مُوسَى عِلْمَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، فإن التوراة أنزلت إليه بَعْدَ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ. ﴿فِي كِتَابٍ﴾ [طه: ٥٢] يَعْنِي فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي﴾ [طه: ٥٢] أَيْ لَا يُخْطِئُ. وَقِيلَ: لَا يغيب عَنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَغِيبُ عَنْ شيء، ﴿وَلَا يَنْسَى﴾ [طه: ٥٢] مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حَتَّى يُجَازِيَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ وَقِيلَ: لَا يَنْسَى أي لا يترك الانتقام فينتقم من الكفار وَيُجَازِي الْمُؤْمِنَ.
[٥٣] ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ [طه: ٥٣] قرأ أهل الكوفة: (مَهْدًا)، ههنا وَفِي الزُّخْرُفِ فَيَكُونُ مَصْدَرًا أَيْ فَرْشًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: (مِهَادا)، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا﴾ [النَّبإِ: ٦] أَيْ فِرَاشًا وَهُوَ اسْمٌ يُفْرَشُ كَالْبِسَاطِ اسْمٌ لِمَا يُبْسَطُ، ﴿وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا﴾ [طه: ٥٣] السَّلْكُ إِدْخَالُ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ وَالْمَعْنَى: أَدْخَلَ فِي الْأَرْضِ لِأَجْلِكُمْ طُرُقًا تَسْلُكُونَهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سلك لَكُمْ فِيهَا طُرُقًا تَسْلُكُونَهَا، ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [طه: ٥٣] يَعْنِي الْمَطَرَ، تَمَّ الْإِخْبَارُ عَنْ مُوسَى. ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ نفسه بقوله. ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾ [طه: ٥٣] بذلك الماء ﴿أَزْوَاجًا﴾ [طه: ٥٣] أصنافا، ﴿مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾ [طه: ٥٣] مُخْتَلِفِ الْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالْمَنَافِعِ مِنْ أَبْيَضَ وَأَحْمَرَ وَأَخْضَرَ وَأَصْفَرَ، فَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا زَوْجٌ، فَمِنْهَا لِلنَّاسِ ومنها للدواب.
[٥٤] ﴿كُلُوا وَارْعَوْا﴾ [طه: ٥٤] أي وارتعوا، ﴿أَنْعَامَكُمْ﴾ [طه: ٥٤] تَقُولُ الْعَرَبُ: رَعَيْتُ الْغَنَمَ فَرَعَتْ أَيْ أَسِيمُوا أَنْعَامَكُمْ تَرْعَى، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ [طه: ٥٤] الذي ذكرت، ﴿لِأُولِي النُّهَى﴾ [طه: ٥٤] لِذَوِي الْعُقُولِ، وَاحِدَتُهَا نُهْيَةٌ سُمِّيَتْ نُهْيَةً لِأَنَّهَا تَنْهَى صَاحِبَهَا عَنِ الْقَبَائِحِ وَالْمَعَاصِي. قَالَ الضَّحَّاكُ: لِأُولِي النهى الذي ينتهون عما حرم الله عَلَيْهِمْ، قَالَ قَتَادَةُ: لِذَوِي الْوَرَعِ.
[٥٥] ﴿مِنْهَا﴾ [طه: ٥٥] أي من الأرض، ﴿خَلَقْنَاكُمْ﴾ [طه: ٥٥] يعني أباكم آدم ﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ [طه: ٥٥] أَيْ عِنْدَ الْمَوْتِ وَالدَّفْنِ، ﴿وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: ٥٥] يوم البعث.
[٥٦] قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ﴾ [طه: ٥٦] يعني فرعون، ﴿آيَاتِنَا كُلَّهَا﴾ [طه: ٥٦] يَعْنِي الْآيَاتِ التِّسْعَ الَّتِي أَعْطَاهَا الله موسى، ﴿فَكَذَّبَ﴾ [طه: ٥٦] بِهَا وَزَعَمَ أَنَّهَا سِحْرٌ، ﴿وَأَبَى﴾ [طه: ٥٦] أن يسلم.
[٥٧] ﴿قَالَ﴾ [طه: ٥٧] يَعْنِي فِرْعَوْنَ ﴿أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا﴾ [طه: ٥٧] يعني أرض مصر، ﴿بِسِحْرِكَ يا مُوسَى﴾ [طه: ٥٧] أَيْ تُرِيدُ أَنْ تَغْلِبَ عَلَى دِيَارِنَا فَيَكُونَ لَكَ الْمُلْكُ وَتُخْرِجَنَا مِنْهَا.
[٥٨] ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا﴾ [طه: ٥٨] أي فاضرب بينا وبينك أجلا وميقاتا، ﴿لَا نُخْلِفُهُ﴾ [طه: ٥٨] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ ﴿لَا نُخْلِفُهُ﴾ [طه: ٥٨] جزمًا لَا نُجَاوِزُهُ، ﴿نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى﴾ [طه: ٥٨] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ: (سُوًى) بِضَمِّ السِّينِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ عُدًى وعِدًى وطُوًى وطِوًى، قَالَ مُقَاتِلٌ وَقَتَادَةُ: مَكَانًا عَدْلًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَصَفًا، وَمَعْنَاهُ تَسْتَوِي مَسَافَةُ الْفَرِيقَيْنِ إِلَيْهِ. قال أبو عبيدة والقتيبي: وسطًا بين الفريقين. قَالَ مُجَاهِدٌ: مُنْصِفًا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي سِوَى هَذَا الْمَكَانِ.
[٥٩] ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ [طه: ٥٩] قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: كَانَ يَوْمَ عِيدٍ لَهُمْ يَتَزَيَّنُونَ فِيهِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ. وَقِيلَ: هُوَ يَوْمُ النَّيْرُوزِ. وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: يَوْمُ عَاشُورَاءَ، ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [طه: ٥٩] أَيْ وَقْتَ الضَّحْوَةِ نَهَارًا جِهَارًا لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنَ الرَّيْبَةِ.
[٦٠] ﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ [طه: ٦٠] مَكْرَهُ وَحِيلَتَهُ وَسَحَرَتَهُ، ﴿ثُمَّ أَتَى﴾ [طه: ٦٠] أي الميعاد.
[٦١] ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى﴾ [طه: ٦١] يَعْنِي لِلسَّحَرَةِ الَّذِينَ جَمَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَاحِرًا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ حَبْلٌ وَعَصًا. وَقِيلَ: كَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ. وَقَالَ كَعْبٌ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ﴿وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [طه: ٦١] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ﴾ [طه: ٦١] بِضَمِّ


الصفحة التالية
Icon