أَكْرَهَهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَتِ السَّحَرَةُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، اثْنَانِ مِنَ الْقِبْطِ، وَسَبْعُونَ مِنْ بَنِي إسرائيل، كان عدو الله فِرْعَوْنُ أَكْرَهَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى تَعَلُّمِ السِّحْرِ، فذلك قوله: ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ [طه: ٧٣] قال عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبَانَ: قَالَتِ السَّحَرَةُ لِفِرْعَوْنَ: أَرِنَا مُوسَى إِذَا نَامَ، فَأَرَاهُمْ مُوسَى نَائِمًا وَعَصَاهُ تَحْرُسُهُ، فَقَالُوا لِفِرْعَوْنَ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِسَاحِرٍ إِنَّ السَّاحِرَ إِذَا نَامَ بَطَلَ سِحْرُهُ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمُوا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ﴾ [طه: ٧٣] ﴿وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧٣] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: خَيْرٌ منك ثوابًا وأبقى عذابًا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: خَيْرٌ مِنْكَ ثَوَابًا إِنْ أُطِيعَ وَأَبْقَى مِنْكَ عَذَابًا إِنْ عُصِيَ وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾ [طه: ٧١]
[٧٤] ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا﴾ [طه: ٧٤] قِيلَ: هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: مِنْ تَمَامِ قَوْلِ السَّحَرَةِ مُجْرِمًا أَيْ مُشْرِكًا يعني من مَاتَ عَلَى الشِّرْكِ، ﴿فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا﴾ [طه: ٧٤] فيستريح، ﴿وَلَا يَحْيَا﴾ [طه: ٧٤] حَيَاةً يَنْتَفِعُ بِهَا.
[٧٥] ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ﴾ [طه: ٧٥] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو سَاكِنَةَ الْهَاءِ، وَيَخْتَلِسُهَا أَبُو جَعْفَرٍ، وَقَالُونُ وَيَعْقُوبُ، وقرأ الآخرون بالإشباع، ﴿مُؤْمِنًا﴾ [طه: ٧٥] أي: من مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ، ﴿قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا﴾ [طه: ٧٥] أي الرفيعة، والعُلى جمع والعليا تَأْنِيثُ الْأَعْلَى.
[٧٦] ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾ [طه: ٧٦] يعني تطهر من الذنوب.
[قوله تعالى وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي] فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا....
[٧٧] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي﴾ [طه: ٧٧] يعني أسر بِهِمْ لَيْلًا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ﴾ [طه: ٧٧] يعني اجْعَلْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ بالضرب بالعصا، ﴿يَبَسًا﴾ [طه: ٧٧] لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ وَلَا طِينٌ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَيْبَسَ لَهُمُ الطَّرِيقَ فِي الْبَحْرِ، ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا﴾ [طه: ٧٧] قَرَأَ حَمْزَةُ لَا تَخَفْ بِالْجَزْمِ عَلَى النَّهْيِ، وَالْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ وَالرَّفْعِ عَلَى النَّفْيِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧] قِيلَ: لَا تَخَافُ أَنْ يُدْرِكَكَ فِرْعَوْنُ مِنْ وَرَائِكَ وَلَا تَخْشَى أَنْ يُغْرِقَكَ الْبَحْرُ أَمَامَكَ.
[٧٨] ﴿فَأَتْبَعَهُمْ﴾ [طه: ٧٨] فلحقهم، ﴿فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾ [طه: ٧٨] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَمَرَ فِرْعَوْنُ جُنُودَهُ أَنْ يَتْبَعُوا مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَالْبَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ وَكَانَ هُوَ فِيهِمْ، ﴿فَغَشِيَهُمْ﴾ [طه: ٧٨] أَصَابَهُمْ، ﴿مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ [طه: ٧٨] وَهُوَ الْغَرَقُ. وَقِيلَ: غَشِيَهُمْ عَلَاهُمْ وسترهم من اليم ما غشيهم يريد غشيهم بَعْضُ مَاءِ الْيَمِّ لَا كُلُّهُ. وَقِيلَ: غَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غشيهم قوم موسى فغرقهم وَنَجَا مُوسَى وَقَوْمُهُ.
[٧٩] ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ [طه: ٧٩] يعني مَا أَرْشَدَهُمْ وَهَذَا تَكْذِيبٌ لِفِرْعَوْنَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ [غافر: ٢٩]


الصفحة التالية
Icon