[٨٧] ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا﴾ [طه: ٨٧] قَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَعَاصِمٌ: ﴿بِمَلْكِنَا﴾ [طه: ٨٧] بِفَتْحِ الْمِيمِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِضَمِّهَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِهَا، أَيْ: وَنَحْنُ نَمْلِكُ أَمْرَنَا. وَقِيلَ: بِاخْتِيَارِنَا، وَمَنْ قَرَأَ بِالضَّمِّ فَمَعْنَاهُ بِقُدْرَتِنَا وَسُلْطَانِنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْءَ إِذَا وَقَعَ فِي الْبَلِيَّةِ وَالْفِتْنَةِ لَمْ يملك نفسه، ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا﴾ [طه: ٨٧] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ حَمَلْنَا بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ جَعَلُونَا نَحْمِلُهَا وَكُلِّفْنَا حَمْلَهَا، ﴿أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾ [طه: ٨٧] مِنْ حُلي قَوْمِ فِرْعَوْنَ، سَمَّاهَا أَوْزَارًا لِأَنَّهُمْ أَخَذُوهَا عَلَى وَجْهِ العارية فلم يردها، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا قَدِ اسْتَعَارُوا حُلِيًّا مِنَ الْقِبْطِ وَكَانَ ذَلِكَ مَعَهُمْ حِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَغْرَقَ فِرْعَوْنَ نَبَذَ الْبَحْرُ حُلِيَّهُمْ فَأَخَذُوهَا وَكَانَتْ غَنِيمَةً ولما تَكُنِ الْغَنِيمَةُ حَلَالًا لَهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَسَمَّاهَا أَوْزَارًا لِذَلِكَ، ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ [طه: ٨٧] قِيلَ: إِنَّ السَّامِرِيَّ قَالَ لَهُمُ احْفِرُوا حُفَيْرَةً فَأَلْقُوهَا فِيهَا حَتَّى يَرْجِعَ مُوسَى، قَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ لَهُمْ هَارُونُ: إِنَّ تِلْكَ غَنِيمَةٌ لَا تَحِلُّ فَاحْفِرُوا حُفَيْرَةً فَأَلْقُوهَا فِيهَا حَتَّى يَرْجِعَ مُوسَى، فَيَرَى رَأْيَهُ فِيهَا، فَفَعَلُوا. قَوْلُهُ: ﴿فَقَذَفْنَاهَا﴾ [طه: ٨٧] أَيْ طَرَحْنَاهَا فِي الْحُفْرَةِ، ﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾ [طه: ٨٧] مَا مَعَهُ مِنَ الْحُلِيِّ فِيهَا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَوْقَدَ هَارُونُ نَارًا وَقَالَ: اقْذِفُوا فِيهَا مَا مَعَكُمْ، فَأَلْقَوْهُ فِيهَا ثُمَّ أَلْقَى السَّامِرِيُّ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ تُرْبَةِ حَافِرِ فَرَسِ جبريل. قال قتادة: كان صر قَبْضَةً مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ فِي عمامته.
[قوله تعالى فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا] هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ....
[٨٨] ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه: ٨٨] أي تركه موسى ههنا وَذَهَبَ يَطْلُبُهُ. وَقِيلَ: أَخْطَأَ الطَّرِيقَ وَضَلَّ.
[٨٩] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا﴾ [طه: ٨٩] أَيْ: لَا يَرَوْنَ أَنَّ الْعِجْلَ لا يكلمهم ولا يجيبهم إِذَا دَعَوْهُ، ﴿وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾ [طه: ٨٩] وَقِيلَ: إِنَّ هَارُونَ مَرَّ عَلَى اَلسَّامِرِيِّ وَهُوَ يَصُوغُ الْعِجْلَ فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: أَصْنَعُ مَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ فَادْعُ لِي، فَقَالَ هَارُونُ: اللَّهُمَّ أَعْطِهِ مَا سَأَلَكَ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ، فَأَلْقَى التُّرَابَ فِي فَمِ الْعِجْلِ وَقَالَ: كُنْ عِجْلًا يَخُورُ فكان ذلك بِدَعْوَةِ هَارُونَ، وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِتْنَةً ابْتَلَى اللَّهُ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ.
[٩٠] ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ﴾ [طه: ٩٠] أي من قبل رجوع موسى، ﴿يا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ﴾ [طه: ٩٠] ابْتُلِيتُمْ بِالْعِجْلِ، ﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي﴾ [طه: ٩٠] عَلَى دِينِي فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، ﴿وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ [طه: ٩٠] فِي تَرْكِ عِبَادَةِ الْعِجْلِ.
[٩١] ﴿قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ﴾ [طه: ٩١] أي لن نزال، ﴿عَلَيْهِ﴾ [طه: ٩١] على عبادته، ﴿عَاكِفِينَ﴾ [طه: ٩١] مُقِيمِينَ، ﴿حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه: ٩١] فَاعْتَزَلَهُمْ هَارُونُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ ألفا وهم الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْلَ، فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى وَسَمِعَ الصِّيَاحَ وَالْجَلَبَةَ وَكَانُوا يَرْقُصُونَ حَوْلَ الْعِجْلِ، قَالَ للسبعين الذين كانوا مَعَهُ: هَذَا صَوْتُ الْفِتْنَةِ، فَلَمَّا رَأَى هَارُونَ أَخَذَ شَعْرَ رَأْسِهِ بيمينه ولحيته بشماله.
[٩٢] و ﴿قَالَ﴾ [طه: ٩٢] له ﴿يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا﴾ [طه: ٩٢] أشركوا.
[٩٣] ﴿أَلَّا تَتَّبِعَنِي﴾ [طه: ٩٣] أَيْ: أَنْ تَتَّبِعَنِي وَ (لَا) صِلَةٌ أَيْ تَتَّبِعَ أَمْرِي وَوَصِيَّتِي، يَعْنِي: هَلَّا قَاتَلْتَهُمْ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنِّي لَوْ كُنْتُ فِيهِمْ لِقَاتَلْتُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ.
وَقِيلَ: أَنْ لَا تَتَّبِعَنِي، أَيْ: مَا مَنَعَكَ مِنَ اللُّحُوقِ بِي وَإِخْبَارِي بِضَلَالَتِهِمْ، فَتَكُونَ مفارقتك إياهم تقريعًا وزجرًا لَهُمْ عَمَّا أَتَوْهُ، ﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه: ٩٣] أي خالفت أمري.
[٩٤] ﴿قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي﴾ [طه: ٩٤] أَيْ بِشَعْرِ رَأْسِي وَكَانَ قَدْ أخذ ذوائبه، ﴿إِنِّي خَشِيتُ﴾ [طه: ٩٤] لَوْ أَنْكَرْتُ عَلَيْهِمْ لَصَارُوا حِزْبَيْنِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ﴿أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [طه: ٩٤] أَيْ خَشِيتُ إِنْ فَارَقْتُهُمْ وَاتَّبَعْتُكَ صَارُوا أَحْزَابًا


الصفحة التالية
Icon