سَبْعَ أَرَضِينَ. قَالَ عِكْرِمَةُ وَعَطِيَّةُ: كَانَتِ السَّمَاءُ رَتْقًا لَا تُمْطِرُ وَالْأَرْضُ رَتْقًا لَا تُنْبِتُ، فَفَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ وَالْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ، وَإِنَّمَا قال: ﴿رَتْقًا﴾ [الأنبياء: ٣٠] عَلَى التَّوْحِيدِ وَهُوَ مِنْ نَعْتِ السماوات وَالْأَرْضِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، مِثْلَ الزَّوْرِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا، ﴿وَجَعَلْنَا﴾ [الأنبياء: ٣٠] وَخَلَقْنَا، ﴿مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠] أي أحيينا بِالْمَاءِ الَّذِي يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَيْ مِنَ الْحَيَوَانِ وَيَدْخُلُ فِيهِ النَّبَاتُ وَالشَّجَرُ، يَعْنِي أَنَّهُ سَبَبٌ لِحَيَاةِ كُلِّ شَيْءٍ.
وَالْمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فَهُوَ مَخْلُوقٌ من الماء. لقوله تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ [النُّورِ: ٤٥] قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: يَعْنِي النُّطْفَةَ، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ خَلَقَ اللَّهُ بَعْضَ مَا هُوَ حَيٌّ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ؟ قِيلَ: هَذَا عَلَى وَجْهِ التَّكْثِيرِ، يَعْنِي أَنَّ أَكْثَرَ الْأَحْيَاءِ فِي الأرض مخلوق مِنَ الْمَاءِ أَوْ بَقَاؤُهُ بِالْمَاءِ، ﴿أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٠]
[٣١] ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ [الأنبياء: ٣١] أي جِبَالًا ثَوَابِتَ، ﴿أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٣١] لئلا تميد بهم، ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا﴾ [الأنبياء: ٣١] في الرواسي، ﴿فِجَاجًا﴾ [الأنبياء: ٣١] طُرُقًا وَمَسَالِكَ، وَالْفَجُّ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، أَيْ جَعَلْنَا بَيْنَ الجبال طرقا كي يهتدوا إلى مقاصدهم، ﴿سُبُلًا﴾ [الأنبياء: ٣١] تفسير للفجاج، ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣١]
[٣٢] ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٢] مِنْ أَنْ تَسْقُطَ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [الحَجِّ: ٦٥] وَقِيلَ: مَحْفُوظًا مِنَ الشَّيَاطِينِ بِالشُّهُبِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ [الحِجْرِ: ١٧] ﴿وَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٣٢] يعني الكفار، ﴿عَنْ آيَاتِهَا﴾ [الأنبياء: ٣٢] أي عن مَا خَلْقَ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَغَيْرِهَا، ﴿مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٢] لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا وَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا.
[٣٣] ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] يَجْرُونَ وَيَسِيرُونَ بِسُرْعَةٍ كَالسَّابِحِ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّمَا قَالَ: يَسْبَحُونَ، وَلَمْ يقل تسبح عَلَى مَا يُقَالُ لِمَا لَا يَعْقِلُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَنْهَا فِعْلَ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْجَرْيِ وَالسَّبْحِ، فَذُكِرَ عَلَى مَا يَعْقِلُ، وَالْفَلَكُ مَدَارُ النُّجُومِ الَّذِي يَضُمُّهَا، وَالْفَلَكُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَدِيرٍ وجمعه أفلاك، ومنه فلكة الْمِغْزَلِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْفَلَكُ طَاحُونَةٌ كَهَيْئَةِ فَلَكَةِ الْمِغْزَلِ، يُرِيدُ أَنَّ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ النُّجُومُ مُسْتَدِيرٌ كاستدارة الطاحونة. قال الضحاك: فلكها مجراها وسرعة سيرها. قال مجاهد: كهيئة حديد الرحى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَلَكُ السَّمَاءُ الَّذِي فِيهِ ذَلِكَ الْكَوْكَبُ، فَكُلُّ كَوْكَبٍ يَجْرِي فِي السَّمَاءِ الَّذِي قُدِّرَ فِيهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ قَتَادَةَ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْفَلَكُ اسْتِدَارَةُ السَّمَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْفَلَكُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ دون السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم.
[٣٤] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٤]


الصفحة التالية
Icon