يَعِيبُهُمْ وَيَسُبُّهُمْ، ﴿يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء: ٦٠] وهو الذي نظن أنه صَنَعَ هَذَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَمْرُودَ الْجَبَّارَ وَأَشْرَافَ قَوْمِهِ.
[٦١] ﴿قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾ [الأنبياء: ٦١] قاله نَمْرُودُ يَقُولُ: جِيئُوا بِهِ ظَاهِرًا بِمَرْأَى مِنَ النَّاسِ، ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٦١] عَلَيْهِ أَنَّهُ الَّذِي فَعَلَهُ، كَرِهُوا أن يأخذوه بغير بينة، قاله الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ ابن إسحاق: ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٦١] أَيْ يَحْضُرُونَ عِقَابَهُ وَمَا يُصْنَعُ به فلما أتوا به.
[٦٢] ﴿قَالُوا﴾ [الأنبياء: ٦٢] لَهُ ﴿أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يا إِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء: ٦٢]
[٦٣] ﴿قَالَ﴾ [الأنبياء: ٦٣] إِبْرَاهِيمُ، ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣] غضب من أن يعبد معه الصِّغَارَ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا فَكَسَّرَهُنَّ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ إِقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٣] حَتَّى يُخْبَرُوا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ. قَالَ القُتَيْبِيُّ: مَعْنَاهُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ فَجَعَلَ النُّطْقَ شَرْطًا لِلْفِعْلِ أَيْ إِنْ قَدَرُوا عَلَى النُّطْقِ قَدَرُوا عَلَى الْفِعْلِ، فَأَرَاهُمْ عَجْزَهُمْ عَنِ النُّطْقِ، وَفِي ضميره أنا فعلت.
[٦٤] ﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٦٤] أي تفكروا بِقُلُوبِهِمْ وَرَجَعُوا إِلَى عُقُولِهِمْ، ﴿فَقَالُوا﴾ [الأنبياء: ٦٤] مَا نَرَاهُ إِلَّا كَمَا قَالَ، ﴿إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٤] يَعْنِي بِعِبَادَتِكُمْ مَنْ لَا يَتَكَلَّمُ. وَقِيلَ: أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ هَذَا الرَّجُلَ سُؤَالِكُمْ إِيَّاهُ وَهَذِهِ آلِهَتُكُمْ حَاضِرَةٌ فَاسْأَلُوهَا.
[٦٥] ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٦٥] قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: أَجْرَى اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِهِمْ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَدْرَكَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ، فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٦٥] أَيْ رُدُّوا إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالظُّلْمِ، يُقَالُ: نُكِسَ الْمَرِيضُ إِذَا رَجَعَ إلى حالته الأولى، وَقَالُوا: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٥] فَكَيْفَ نَسْأَلُهُمْ؟ فَلَمَّا اتَّجَهَتِ الْحُجَّةُ لإبراهيم عليه السلام.
[٦٦] ﴿قَالَ﴾ [الأنبياء: ٦٦] لَهُمْ، ﴿أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا﴾ [الأنبياء: ٦٦] إن عبدتموه، ﴿وَلَا يَضُرُّكُمْ﴾ [الأنبياء: ٦٦] إِنْ تَرَكْتُمْ عِبَادَتَهُ.
[٦٧] ﴿أُفٍّ لَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٦٧] يعني تَبًّا وَقَذَرًا لَكُمْ، ﴿وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٧] يعني أليس لكم عقل تعرفون به هَذَا، فَلَمَّا لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ وَعَجَزُوا عَنِ الْجَوَابِ.
[٦٨] ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ٦٨] يعني إِنْ كُنْتُمْ نَاصِرِينَ لَهَا.
[٦٩] قَالَ الله تعالى: ﴿قُلْنَا يا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الأنبياء: ٦٩] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَوْ لَمْ يَقُلْ سَلَامًا لَمَاتَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بردها.
[٧٠] قوله: ﴿وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٠] قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ خَسِرُوا السَّعْيَ وَالنَّفَقَةَ