[٣٥] ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ﴾ [الحج: ٣٥] مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمَصَائِبِ، ﴿وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ﴾ [الحج: ٣٥] أَيِ: الْمُقِيمِينَ لِلصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا، ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الحج: ٣٥] أي: يتصدقون.
[٣٦] ﴿وَالْبُدْنَ﴾ [الحج: ٣٦] جَمْعُ بَدَنَةٍ سُمِّيَتْ بَدَنَةً لِعِظَمِهَا وَضَخَامَتِهَا يُرِيدُ الْإِبِلَ الْعِظَامَ الصِّحَاحَ الْأَجْسَامِ، يُقَالُ: بَدُنَ الرَّجُلُ بُدْنًا وَبَدَانَةً إِذَا ضَخُمَ، فَأَمَّا إِذَا سن وَاسْتَرْخَى يُقَالُ: بَدَنَ تَبْدِينًا. قَالَ عطاء والسدي: البُدن البقر أَمَّا الْغَنَمُ فَلَا تُسَمَّى بَدَنَةً.
﴿جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٣٦] مِنْ أَعْلَامِ دِينِهِ، سُمِّيَتْ شَعَائِرَ لِأَنَّهَا تُشْعِرُ، وَهُوَ أَنْ تُطعن بِحَدِيدَةٍ فِي سَنَامِهَا فَيُعْلَمَ أَنَّهَا هدي، ﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ [الحج: ٣٦] النَّفْعُ فِي الدُّنْيَا وَالْأَجْرُ فِي الْعُقْبَى، ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا﴾ [الحج: ٣٦] أي: عند نحرها، ﴿صَوَافَّ﴾ [الحج: ٣٦] أَيْ: قِيَامًا عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ قد صفت رجلها وَإِحْدَى يَدَيْهَا وَيَدُهَا الْيُسْرَى مَعْقُولَةٌ فينحرها كذلك. وقرأ أبي الحسن وَمُجَاهِدٌ (صَوَافِي) بِالْيَاءِ أَيْ صَافِيَةً خَالِصَةً لِلَّهِ لَا شَرِيكَ لَهُ فيها، ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ [الحج: ٣٦] يعني: سَقَطَتْ بَعْدَ النَّحْرِ فَوَقَعَتْ جُنُوبُهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَأَصِلُ الْوُجُوبِ: الْوُقُوعُ. يُقَالُ: وَجَبَتِ الشَّمْسُ إِذَا سَقَطَتْ للمغيب، ﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ [الحج: ٣٦] أَمْرُ إِبَاحَةٍ، ﴿وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: ٣٦] اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُمَا، فَقَالَ عِكْرِمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ: الْقَانِعُ الْجَالِسُ فِي بَيْتِهِ الْمُتَعَفِّفُ يَقْنَعُ بِمَا يُعطى ولا يسأل، والمعترّ الَّذِي يَسْأَلُ. وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْقَانِعُ الَّذِي لَا يعترض وَلَا يَسْأَلُ، فَعَلَى هَذَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ يَكُونُ الْقَانِعُ مِنَ الْقَنَاعَةِ يُقَالُ: قنع قانعة إِذَا رَضِيَ بِمَا قُسم لَهُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ: الْقَانِعُ الَّذِي يَسْأَلُ وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَتَعَرَّضُ وَلَا يَسْأَلُ، فَيَكُونُ القانع من قنع قنوعًا إذا سأل. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْقَانِعُ الْمِسْكِينُ، وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي لَيْسَ بِمِسْكِينٍ، وَلَا يَكُونُ لَهُ ذَبِيحَةٌ يَجِيءُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَتَعَرَّضُ لَهُمْ لِأَجْلِ لَحْمِهِمْ. ﴿كَذَلِكَ﴾ [الحج: ٣٦] يعني: مِثْلُ مَا وَصَفْنَا مِنْ نَحْرِهَا قيامًا ﴿سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ﴾ [الحج: ٣٦] نِعْمَةً مِنَّا لِتَتَمَكَّنُوا مِنْ نَحْرِهَا، ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: ٣٦] لكي تشكروا إنعامي عَلَيْكُمْ.
[٣٧] ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا﴾ [الحج: ٣٧] وذلك أن الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إِذَا نَحَرُوا الْبُدْنَ لَطَّخُوا الْكَعْبَةَ بِدِمَائِهَا قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا﴾ [الحج: ٣٧] قَرَأَ يَعْقُوبُ (تَنَالُ وَتَنَالُهُ) بِالتَّاءِ فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِالْيَاءِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: لَنْ يُرفع إِلَى اللَّهِ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا، ﴿وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧] وَلَكِنْ تُرَفَعُ إِلَيْهِ مِنْكُمُ الْأَعْمَالُ الصالحة والتقوى، والإخلاص وما أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ﴾ [الحج: ٣٧] يَعْنِي: الْبُدْنَ، ﴿لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [الحج: ٣٧] أَرْشَدَكُمْ لِمَعَالِمِ دِينِهِ وَمَنَاسِكِ حَجِّهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى


الصفحة التالية
Icon