[٢٢] قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ﴾ [النور: ٢٢] يعني ولا يحلف، وهو يفعل مِنَ الْأَلْيَةِ وَهِيَ الْقَسَمُ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ يَتَأَلَّ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ وَتَأْخِيرِ الْهَمْزَةِ، وَهُوَ يَتَفَعَّلُ مِنَ الألية وهي القسم. ﴿أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ [النور: ٢٢] يعني أولو الغنى وَالسَّعَةِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ ﴿أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النور: ٢٢] يَعْنِي مِسْطَحًا وَكَانَ مِسْكِينًا مُهَاجِرًا بَدْرِيًّا ابْنَ خَالَةِ أَبِي بَكْرٍ، حَلِفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا ينفق عليه، ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ [النور: ٢٢] عَنْهُمْ خَوْضَهُمْ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ، ﴿أَلَا تُحِبُّونَ﴾ [النور: ٢٢] يُخَاطِبُ أَبَا بَكْرٍ، ﴿أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٢٢] فَلَمَّا قَرَأَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَالَ: بَلَى أَنَا أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي وَرَجَّعَ إِلَى مسطح نفقته التي كانت ينفقها عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَنْزَعُهَا مِنْهُ أَبَدًا (١) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: أَقْسَمَ نَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فيهم أبو بكر ألا يتصدقون عَلَى رَجُلِ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنَ الْإِفْكِ وَلَا يَنْفَعُوهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
[٢٣] ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ [النور: ٢٣] العفائف، ﴿الْغَافِلَاتِ﴾ [النور: ٢٣] عن الفواحش، ﴿الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النور: ٢٣] والغافلة عن الفاحشة التي لَا يَقَعُ فِي قَلْبِهَا فِعْلُ الْفَاحِشَةِ وَكَانَتْ عَائِشَةُ كَذَلِكَ، قَوْلُهُ تعالى: ﴿لُعِنُوا﴾ [النور: ٢٣] عذبوا، ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ [النور: ٢٣] بالحد، ﴿وَالْآخِرَةِ﴾ [النور: ٢٣] بالنار، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ٢٣] قال مقاتل: هذا خاص فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ المنافق. وروي عَنْ خَصِيفٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: مَنْ قَذْفَ مُؤْمِنَةً يَلْعَنُهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَقَالَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ خَاصَّةً. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ لِعَائِشَةَ وَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً دون سائر المؤمنات وَقَالَ الْآخَرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وكان ذلك كذلك حتى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور: ٤] إِلَى قَوْلِهِ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٥] فأنزل الْجَلْدَ وَالتَّوْبَةَ.
[٢٤] ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ﴾ [النور: ٢٤] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْيَاءِ لِتَقْدِيمِ الفعل وقرأ الآخرون بالتاء، ﴿أَلْسِنَتُهُمْ﴾ [النور: ٢٤] وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يَخْتِمَ عَلَى أفواههم، ﴿وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ﴾ [النور: ٢٤] يروى أنه يختم على الْأَفْوَاهُ فَتَتَكَلَّمُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا عَمِلَتْ فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَشْهَدُ أَلْسِنَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ، ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور: ٢٤]
[٢٥] ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾ [النور: ٢٥] جَزَاءَهُمُ الْوَاجِبَ. وَقِيلَ: حِسَابَهُمُ الْعَدْلَ. ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٢٥] يُبَيِّنُ لَهُمْ حَقِيقَةَ مَا كَانَ يَعِدُهُمْ فِي الدُّنْيَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَذَلِكَ أَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ كَانَ يَشُكُّ فِي الدِّينِ فَيَعْلَمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ الله هو الحق المبين.
_________
(١) أخرجه البخاري في التفسير ٨ / ٤٥٥ ومسلم في التوبة رقم (٢٧٧٠) ٤ / ٢١٢٩.