النَّاسُ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَهُوَ كَرِيمٌ، وَمِنْ دَخَلَ النَّارَ فَهُوَ لَئِيمٌ.
[٨] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ [الشعراء: ٨] الذي ذكرت، ﴿لَآيَةً﴾ [الشعراء: ٨] دَلَالَةً عَلَى وُجُودِي وَتَوْحِيدِي وَكَمَالِ قُدْرَتِي، ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٨] مُصَدِّقِينَ أَيْ سَبْقَ عِلْمِي فِيهِمْ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: كَانَ هَاهُنَا صِلَةٌ مَجَازُهُ: وَمَا أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ.
[٩] ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ [الشعراء: ٩] الْعَزِيزُ بِالنِّقْمَةِ مِنْ أَعْدَائِهِ، ﴿الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء: ٩] ذُو الرَّحْمَةِ بِأَوْلِيَائِهِ.
[١٠] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى﴾ [الشعراء: ١٠] وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّدُ إِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى حِينَ رَأَى الشَّجَرَةَ وَالنَّارَ، ﴿أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الشعراء: ١٠] يَعْنِي الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَظَلَمُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ بِاسْتِعْبَادِهِمْ وَسَوْمِهِمْ سُوءَ الْعَذَابِ.
[١١] ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: ١١] أَلَّا يَصْرِفُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ عُقُوبَةَ الله بطاعته.
[١٢] ﴿قَالَ﴾ [الشعراء: ١٢] يَعْنِي مُوسَى، ﴿رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ [الشعراء: ١٢]
[١٣] ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي﴾ [الشعراء: ١٣] بتكذيبهم إياي، و ﴿وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي﴾ [الشعراء: ١٣] قَالَ: هَذَا لِلْعُقْدَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى لِسَانِهِ، قَرَأَ يَعْقُوبُ (وَيَضِيقَ)، (وَلَا يَنْطَلِقَ) بِنَصْبِ الْقَافَيْنِ عَلَى مَعْنَى وَأَنْ يَضِيقَ، وَقَرَأَ الْعَامَّةُ بِرَفْعِهِمَا رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: (إِنِّي أخاف)، ﴿فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ﴾ [الشعراء: ١٣] لِيُؤَازِرَنِي وَيُظَاهِرَنِي عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ.
[١٤] ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ﴾ [الشعراء: ١٤] أَيْ دَعْوَى ذَنْبٍ، وَهُوَ قَتْلُهُ القبطي، ﴿فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ [الشعراء: ١٤] أي يقتلونني به.
[١٥] ﴿قَالَ﴾ [الشعراء: ١٥] الله تعالى ﴿كَلَّا﴾ [الشعراء: ١٥] أَيْ لَنْ يَقْتُلُوكَ ﴿فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ﴾ [الشعراء: ١٥] سَامِعُونَ مَا يَقُولُونَ، ذَكَرَ مَعَكُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وَهُمَا اثْنَانِ أَجْرَاهُمَا مَجْرَى الْجَمَاعَةِ. وَقِيلَ: أَرَادَ مَعَكُمَا وَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَسْمَعُ مَا يُجِيبُكُمْ فِرْعَوْنُ.
[١٦] ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ١٦] وَلَمْ يَقُلْ رَسُولَا رَبِّ الْعَالَمِينَ لأنه أراد الرسالة أَنَا ذُو رِسَالَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ بِمَعْنَى الِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: هَذَا رَسُولِي وَوَكِيلِي وَهَذَانِ وَهَؤُلَاءِ رَسُولِي وَوَكِيلِي، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ [الْكَهْفِ: ٥٠] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
[١٧] ﴿أَنْ أَرْسِلْ﴾ [الشعراء: ١٧] أَيْ بِأَنْ أَرْسِلْ، ﴿مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء: ١٧] أي إِلَى فِلَسْطِينَ، وَلَا تَسْتَعْبِدْهُمْ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ اسْتَعْبَدَهُمْ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانُوا في ذلك الوقت ستمائة ألف وَثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَانْطَلَقَ مُوسَى إِلَى مِصْرَ وَهَارُونُ بِهَا فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ.
[١٨] ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ [الشعراء: ١٨] صَبِيًّا، ﴿وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ [الشعراء: ١٨] وَهُوَ ثَلَاثُونَ سَنَةً.
[١٩] ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ﴾ [الشعراء: ١٩] يَعْنِي قَتْلَ الْقِبْطِيِّ، ﴿وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [الشعراء: ١٩] قَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي وَأَنْتَ من الكافرين بإلهك الذي تدعيه، ومعناه: عَلَى دِينِنَا هَذَا الَّذِي تَعِيبُهُ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَى قَوْلِهِ وأنت من الكافرين يعني مِنَ الْجَاحِدِينَ لِنِعْمَتِي وَحَقِّ تَرْبِيَتِي، يَقُولُ رَبَّيْنَاكَ فِينَا فَكَافَأْتَنَا أَنْ قَتَلْتَ مِنَّا نَفْسًا وَكَفَرْتَ بِنِعْمَتِنَا. وَهَذَا رِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عباس: إِنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ما الكفر بالربوبية.
[قوله تعالى قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ..].
[٢٠] ﴿قَالَ﴾ [الشعراء: ٢٠] موسى ﴿فَعَلْتُهَا إِذًا﴾ [الشعراء: ٢٠] أَيْ فَعَلْتُ مَا فَعَلْتُ حِينَئِذٍ، ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ [الشعراء: ٢٠] أي من الجاهلين، لم يأت من الله شيئا. وَقِيلَ: مِنَ الْجَاهِلِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى قَتْلِهِ. وَقِيلَ: مِنَ الضَّالِّينَ عَنْ طَرِيقِ الصَّوَابِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ. وَقِيلَ. مِنَ الْمُخْطِئِينَ.
[٢١] ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾ [الشعراء: ٢١] إِلَى مَدْيَنَ، ﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا﴾ [الشعراء: ٢١] يَعْنِي النُّبُوَّةَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْعِلْمَ وَالْفَهْمَ، ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ٢١]
[٢٢] ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء: ٢٢] اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا فَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى الإٌقرار