لكم من أن تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أعناقكم "؟ قالوا: بلى، قال: " ذكر الله» (١) وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَفْضَلُ مِنْ ذَكْرِكُمْ إِيَّاهُ وَقَالَ عَطَاءٌ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّ الصلاد تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)، قَالَ: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ تَبْقَى مَعَهُ مَعْصِيَةٌ. ؟ ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٥] قَالَ عَطَاءٌ: يُرِيدُ لَا يَخْفَى عليه شيء.
[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي] هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ...
[٤٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ﴾ [العنكبوت: ٤٦] لَا تُخَاصِمُوهُمْ، ﴿إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [العنكبوت: ٤٦] أَيْ بِالْقُرْآنِ وَالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ بِآيَاتِهِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى حُجَجِهِ، وَأَرَادَ مَنْ قَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ، ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦] أَيْ أَبَوْا أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَنَصَبُوا الْحَرْبَ، فَجَادِلُوهُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، وَمَجَازُ الْآيَةِ: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوكُمْ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ ظَالِمٌ بِالْكُفْرِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُمْ أَهْلُ الْحَرْبِ وَمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ. قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: صَارَتْ مَنْسُوخَةً بِقَوْلِهِ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [التَّوْبَةِ: ٢٩] ﴿وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ [العنكبوت: ٤٦] يُرِيدُ إِذَا أَخْبَرَكُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مما قَبِلَ الْجِزْيَةَ بِشَيْءٍ مِمَّا فِي كُتُبِهِمْ فَلَا تُجَادِلُوهُمْ عَلَيْهِ وَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، ﴿وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٦] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ. كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إليكم» (٢).
[٤٧] قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ﴾ [العنكبوت: ٤٧] يعني كما أنزلنا إليهم الكتاب، ﴿أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [العنكبوت: ٤٧] يَعْنِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ، ﴿وَمِنْ هَؤُلَاءِ﴾ [العنكبوت: ٤٧] يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، ﴿مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ﴾ [العنكبوت: ٤٧] وهم مؤمنو أَهْلِ مَكَّةَ، ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٧] وذلك أن اليهود وأهل مكة عَرَفُوا أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيٌّ وَالْقُرْآنَ حق فجحدوا. وقال قَتَادَةُ: الْجُحُودُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ المعرفة.
[٤٨] ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو﴾ [العنكبوت: ٤٨] يَا مُحَمَّدُ، ﴿مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ﴾ [العنكبوت: ٤٨] يعني من قبل ما أنزل إِلَيْكَ الْكِتَابَ، ﴿وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] يعني ولا تكتبه يعني لَمْ تَكُنْ تَقْرَأُ وَلَا تَكْتُبُ قَبْلَ الْوَحْيِ، ﴿إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٨] يعني لو كنت تقرأ أو تكتب قبل الوحي لشك المبطلون
_________
(١) أخرجه الترمذي في الدعوات ٩ / ٣١٧، وابن ماجه في الأدب رقم (٣٧٩٠) ٢ / ١٢٤٥ وصححه الحاكم في المستدرك ١ / ٤٩٦ ووافقه الذهبي، وأخرجه مالك في الموطأ ١ / ٢١١ والإمام أحمد في المسند ٦ / ٤٤٧ والمصنف في شرح السنة ٥ / ١٦ وقال: حديث حسن.
(٢) أخرجه البخاري في التوحيد ١٣ / ٥١٦ والمصنف في شرح السنة ١ / ٢٦٨.


الصفحة التالية
Icon