قَالَ لَهُ: أَمْسِكَ عَلَيْكَ زَوْجَكَ، فَعَاتَبَهُ اللَّهُ وَقَالَ: لِمَ قُلْتَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَقَدْ أَعْلَمْتُكَ أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِكَ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَلْيَقُ بِحَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلتِّلَاوَةِ لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنَّهُ يُبْدِي وَيُظْهِرُ مَا أَخْفَاهُ وَلَمْ يُظْهِرْ غَيْرَ تَزْوِيجِهَا منه فقال: ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [الأحزاب: ٣٧] فَلَوْ كَانَ الَّذِي أَضْمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محبتها أو إرادة طلاقها لأظهر ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ يُظْهِرُهُ ثُمَّ يَكْتُمُهُ فَلَا يَظْهِرُهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا عُوتِبَ عَلَى إِخْفَاءِ مَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا سَتَكُونُ زَوْجَةً لَهُ وَإِنَّمَا أَخْفَاهُ اسْتِحْيَاءً أَنْ يَقُولَ لِزَيْدٍ: الَّتِي تَحْتَكَ وَفِي نكاحك ستكون زوجتي، وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ مُرْضٍ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْآخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ أخفى محبتها ونكاحها لَوْ طَلَّقَهَا لَا يَقْدَحُ فِي حال الأنبياء لأن العمد غَيْرُ مَلُومٍ عَلَى مَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَا لَمْ يَقْصِدْ فِيهِ الْمَآثِمَ، لِأَنَّ الْوُدَّ وَمَيْلَ النَّفْسِ مِنْ طَبْعِ الْبَشَرِ وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٣٧] أمر بالمعروف وهو حسن لا إثم فيه، قوله تَعَالَى. ﴿وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب: ٣٧] لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَخْشَى اللَّهَ فِيمَا سَبَقَ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ قَالَ: «أنا أخشاكم لله وأتقاكم»، وَلَكِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْخَشْيَةَ مِنَ النَّاسِ ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقُّ بِالْخَشْيَةِ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ وَفِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا﴾ [الأحزاب: ٣٧] أَيْ حَاجَةً مِنْ نِكَاحِهَا، ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [الأحزاب: ٣٧] وَذَكَرَ قَضَاءَ الْوَطَرِ لِيُعْلَمَ أَنَّ زَوْجَةَ الْمُتَبَنَّى تَحِلُّ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا، قَالَ أَنَسٌ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَفْتَخِرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سبع سماوات. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لأدلُ عَلَيْكَ بِثَلَاثٍ: مَا من نسائك امرأة تدلي بِهِنَّ. جَدِّي وَجَدُّكَ وَاحِدٌ، أَنِّي أَنْكَحَنِيكَ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ، وَإِنَّ السفير لجبريل عليه السلام. ﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ﴾ [الأحزاب: ٣٧] إِثْمٌ، ﴿فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾ [الأحزاب: ٣٧] والأدعياء جميع الدَّعِيِّ وَهُوَ الْمُتَبَنَّى، يَقُولُ: زَوَّجْنَاكَ زَيْنَبَ وَهِيَ امْرَأَةُ زَيْدٍ الَّذِي تبنيته لتعلم أَنَّ زَوْجَةَ الْمُتَبَنَّى حَلَالٌ لِلْمُتَبَنِّي، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا الْمُتَبَنَّى بِخِلَافِ امْرَأَةِ ابْنِ الصُّلْبِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَبِ. ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ [الأحزاب: ٣٧] أَيْ كَانَ قَضَاءُ اللَّهِ مَاضِيًا وَحُكْمُهُ نَافِذًا وَقَدْ قَضَى فِي زَيْنَبَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[٣٨] قَوْلُهُ تعالى: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾ [الأحزاب: ٣٨] أَيْ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، ﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٣٨] أَيْ كَسُنَّةِ اللَّهِ، نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَقِيلَ: نُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَيْ الْزَمُوا سُنَّةَ اللَّهِ، ﴿فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأحزاب: ٣٨] أَيْ فِي الْأَنْبِيَاءِ الْمَاضِينَ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُمْ بِمَا أَحَلَّ لَهُمْ وَقِيلَ: أَشَارَ بِالسُّنَّةِ إِلَى النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مِنْ سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَقِيلَ: إِلَى كَثْرَةِ الْأَزْوَاجِ مِثْلَ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب: ٣٨]


الصفحة التالية
Icon