لَيْسَ لَكُمْ أَذَاهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، ﴿وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا﴾ [الأحزاب: ٥٣] نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَئِنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْكِحَنَّ عَائِشَةَ، قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ، وَقَالَ: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ: ٥٣] أي ذنبا عظيما.
[٥٤] ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٤] نَزَلَتْ فِيمَنْ أَضْمَرَ نِكَاحَ عَائِشَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: مَا بَالُنَا نُمْنَعُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى بَنَاتِ أَعْمَامِنَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ قَالَ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَالْأَقَارِبُ: وَنَحْنُ أَيْضًا نُكَلِّمُهُنَّ مِنْ وراء الحجاب؟
[قوله تعالى لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ] وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ...
[٥٥] فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] أَيْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِنَّ فِي تَرْكِ الِاحْتِجَابِ مِنْ هَؤُلَاءِ ﴿وَلَا نِسَائِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ النِّسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْكِتَابِيَّاتِ الدُّخُولُ عَلَيْهِنَّ، وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ فِي الْمُسْلِمَاتِ وَالْكِتَابِيَّاتِ، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿وَلَا نِسَائِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] لأنهن بين أَجْنَاسِهِنَّ، ﴿وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ عَبْدَ الْمَرْأَةِ هَلْ يَكُونُ مُحَرَّمًا لَهَا أَمْ لَا؟ فَقَالَ قَوْمٌ: يَكُونُ مُحَرَّمًا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ كَالْأَجَانِبِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْإِمَاءُ دُونَ الْعَبِيدِ، ﴿وَاتَّقِينَ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٥٥] أَنْ يَرَاكُنَّ غَيْرُ هَؤُلَاءِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأحزاب: ٥٥] من أعمال العباد ﴿شَهِيدًا﴾ [الأحزاب: ٥٥]
[٥٦] قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: ٥٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ إِنَّ اللَّهَ يَرْحَمُ النَّبِيَّ، وَالْمَلَائِكَةُ يَدْعُونَ لَهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: يُصَلُّونَ يَتَبَرَّكُونَ. وَقِيلَ: الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٥٦] أَيِ ادْعُوَا لَهُ بِالرَّحْمَةِ، ﴿وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] أَيْ حَيُّوهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: صَلَاةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدعاء. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عليه عشرا» (١).
[٥٧] قوله تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ فَأَمَّا الْيَهُودُ فَقَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَأَمَّا النَّصَارَى فَقَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وَثَالِثُ ثلاثة وأما المشركون
_________
(١) أخرجه مسلم في الصلاة برقم (٤٠٨) ١ / ٣٠٦. والمصنف في شرح السنة ٣ / ١٩٥.