إِلَّا لِنَعْلَمَ أَيْ لِنَرَى وَنُمَيِّزَ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ، وَأَرَادَ عِلْمَ الْوُقُوعِ وَالظُّهُورِ، وَقَدْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ بِالْغَيْبِ، ﴿وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [سبأ: ٢١] رقيب.
[٢٢] ﴿قُلِ﴾ [سبأ: ٢٢] يَا مُحَمَّدُ لِكَفَّارِ مَكَّةَ، ﴿ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ [سبأ: ٢٢] أَنَّهُمْ آلِهَةٌ، ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [سبأ: ٢٢] وَفِي الْآيَةِ حَذْفٌ أَيِ ادْعُوهُمْ لِيَكْشِفُوا الضُّرَّ الَّذِي نَزَلَ بِكُمْ فِي سِنِيِّ الْجُوعِ، ثُمَّ وَصَفَهَا فَقَالَ: ﴿لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ [سبأ: ٢٢] مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَنَفْعٍ وَضُرٍّ ﴿وَمَا لَهُمْ﴾ [سبأ: ٢٢] أي للآلهة، ﴿فِيهِمَا﴾ [سبأ: ٢٢] فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ﴿مِنْ شِرْكٍ﴾ [سبأ: ٢٢] من شركة، ﴿وَمَا لَهُ﴾ [سبأ: ٢٢] أَيْ وَمَا لِلَّهِ، ﴿مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [سبأ: ٢٢] عون.
[قوله تعالى وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ] لَهُ...
[٢٣] ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: ٢٣] اللَّهُ فِي الشَّفَاعَةِ، قَالَهُ تَكْذِيبًا لَهُمْ حَيْثُ قَالُوا: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ اللَّهُ له أَنْ يُشْفَعَ لَهُ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: أُذِنَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الفاء وكسر الزاي في ﴿فُزِّعَ﴾ [سبأ: ٢٣] أَيْ كُشِفَ الْفَزَعُ وَأُخْرِجَ عَنْ قلوبهم، فالتفزيع إزالة الفزع كالتمريض والتفريط وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ السَّبَبِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا يُفَزِّعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ مِنْ غَشْيَةٍ تُصِيبُهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ كلام اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا يَفْزَعُونَ حَذَرًا مِنْ قِيَامِ الساعة. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: الْمَوْصُوفُونَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ: حَتَّى إِذَا كُشِفَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ نُزُولِ الْمَوْتِ بِهِمْ إِقَامَةً لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ قَالَتْ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ فِي الدُّنْيَا قَالُوا: الْحَقَّ، فَأَقَرُّوا بِهِ حين لا ينفعهم الإقرار.
[٢٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [سبأ: ٢٤] فالرزق من السماوات وَمِنَ الْأَرْضِ النَّبَاتُ، ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ [سبأ: ٢٤] أَيْ إِنْ لَمْ يَقُولُوا: رَازِقُنَا اللَّهُ، فَقُلْ أَنْتَ إِنَّ رَازِقَكُمْ هُوَ اللَّهُ، ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: ٢٤] لَيْسَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الشَّكِّ وَلَكِنْ عَلَى جِهَةِ الْإِنْصَافِ فِي الْحُجَاجِ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِلْآخَرِ: أَحَدُنَا كَاذِبٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ صَادِقٌ وَصَاحِبَهُ كَاذِبٌ، وَالْمَعْنَى مَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ بَلْ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ مُهْتَدٍ وَالْآخَرُ ضَالٌّ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ عَلَى الْهُدَى وَمَنْ خَالَفَهُ فِي ضَلَالٍ، فَكَذَّبَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَرِّحَ بِالتَّكْذِيبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَالْأَلِفُ فِيهِ صِلَةٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِنَّا وَإِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ يَعْنِي نَحْنُ على الهدى وأنتم على الضَّلَالِ.
[٢٥] ﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [سبأ: ٢٥]
[٢٦] ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا﴾ [سبأ: ٢٦] يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.