﴿بِيَمِينِهِ﴾ [الانشقاق: ٧] ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق: ٨] قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ " قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) ؟ فَقَالَ: "إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلَكِنْ من نوقش في الحساب يهلك» (١).
[٩] ﴿وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ﴾ [الانشقاق: ٩] يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ العين والآدميات، ﴿مَسْرُورًا﴾ [الانشقاق: ٩] بِمَا أُوتِيَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ.
[١٠] ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ﴾ [الانشقاق: ١٠] فَتُغَلُّ يَدُهُ الْيُمْنَى إِلَى عُنُقِهِ وَتُجْعَلُ يَدُهُ الشِّمَالُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَيُؤْتَى كِتَابَهُ بِشَمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظهره.
[١١] ﴿فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا﴾ [الانشقاق: ١١] يُنَادِي بِالْوَيْلِ وَالْهَلَاكِ إِذَا قَرَأَ كِتَابَهُ يَقُولُ: يَا وَيْلَاهُ يَا ثبوراه.
[١٢، ١٣] ﴿وَيَصْلَى سَعِيرًا - إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الانشقاق: ١٢ - ١٣] يَعْنِي فِي الدُّنْيَا بِاتِّبَاعِ هَوَاهُ وَرُكُوبِ شَهْوَتِهِ.
[١٤] ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ [الانشقاق: ١٤] أَنْ لَنْ يَرْجِعَ إِلَيْنَا وَلَنْ يبعث.
[١٥] ثم قال: ﴿بَلَى﴾ [الانشقاق: ١٥] أَيْ لَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ يَحُورُ إِلَيْنَا وَيُبْعَثُ ﴿إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾ [الانشقاق: ١٥] خَلَقَهُ إِلَى أَنْ بَعْثَهُ.
[١٦] قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ﴾ [الانشقاق: ١٦] قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ النَّهَارُ كُلُّهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: هُوَ الْحُمْرَةُ الَّتِي تَبْقَى فِي الْأُفُقِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَعْقُبُ تِلْكَ الْحُمْرَةَ.
[١٧] ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ﴾ [الانشقاق: ١٧] أَيْ جَمَعَ وَضَمَّ يُقَالُ: وَسَقْتُهُ أَسِقُهُ وَسْقَا أَيْ جَمَعْتُهُ، وَاسْتَوْسَقَتِ الْإِبِلُ إِذَا اجْتَمَعَتْ وَانْضَمَّتْ، وَالْمَعْنَى: وَاللَّيْلِ وَمَا جَمَعَ وَضَمَّ مَا كَانَ بِالنَّهَارِ مُنْتَشِرًا مِنَ الدَّوَابِّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّيْلَ إِذَا أَقْبَلَ أَوَى كُلُّ شَيْءٍ إِلَى مَأْوَاهُ.
[١٨] ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ﴾ [الانشقاق: ١٨] اجْتَمَعَ وَاسْتَوَى وَتَمَّ نُورُهُ وَهُوَ في الأيام البيض.
[١٩ - ٢٠] ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ [الانشقاق: ١٩] قَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (لَتَرْكَبُنَّ) بِفَتْحِ الْبَاءِ، يَعْنِي لَتَرْكَبَنَّ يا محمد. قَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ: سَمَاءً بَعْدَ سَمَاءٍ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي تُصْعَدُ فِيهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ وَرُتْبَةً بَعْدَ رُتْبَةٍ فِي الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - والرفعة، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) حَالًا بَعْدَ حَالٍ، قَالَ: هَذَا نَبِيُّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ السَّمَاءَ تَتَغَيَّرُ لَوْنًا بَعْدَ لَوْنٍ، فَتَصِيرُ تَارَةً كَالدِّهَانِ وَتَارَةً كَالْمُهْلِ، فتنشق بِالْغَمَامِ مَرَّةً وَتُطْوَى أُخْرَى.
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِضَمِّ الْبَاءِ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِالنَّاسِ أَشْبَهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِنْ قَبْلُ: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بيمينه، وشماله وذكر من بعده ﴿فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الانشقاق: ٢٠] وأراد
_________
(١) أخرجه البخاري في العلم (١ / ١٩٦) ومسلم في الجنة وصفة نعيمها رقم (٢٨٧٦) (٤ / ٢٢٠٤).