أَيْ بِسُؤَالِهِ نَعْجَتَكَ لِيَضُمَّهَا إِلَى نِعَاجِهِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ وَلَمْ يَكُنْ سَمِعَ قَوْلَ صَاحِبِهِ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ فَقَدْ ظَلَمَكَ، وَقِيلَ: قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ اعْتِرَافِ صَاحِبِهِ بِمَا يَقُولُ. ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ﴾ [ص: ٢٤] الشُّرَكَاءِ ﴿لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [ص: ٢٤] يَظْلِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [ص: ٢٤] فَإِنَّهُمْ لَا يَظْلِمُونَ أَحَدًا. ﴿وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: ٢٤] أَيْ قَلِيلٌ هُمْ، و (ما) صِلَةٌ، يَعْنِي: الصَّالِحِينَ الَّذِينَ لَا يَظْلِمُونَ قَلِيلٌ، قَالُوا: فَلَمَّا قَضَى بَيْنَهُمَا دَاوُدُ نَظَرَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ فَضَحِكَ وَصَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ، فَعَلِمَ دَاوُدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ابْتَلَاهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَظَنَّ دَاوُدُ﴾ [ص: ٢٤] أيقن وعلم، ﴿أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾ [ص: ٢٤] إنما ابتليناه، وَقَالَ الْقَائِلُونَ بِتَنْزِيهِ الْأَنْبِيَاءِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: إِنَّ ذَنْبَ دَاوُدَ إِنَّمَا كَانَ أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ تَكُونَ امْرَأَةُ أُورِيَّا حَلَالًا لَهُ، فَاتَّفَقَ غَزْوُ أُورِيَّا وَتَقَدُّمُهُ فِي الْحَرْبِ وَهَلَاكُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ قَتْلُهُ دَاوُدَ لَمْ يَجْزَعْ عَلَيْهِ كَمَا جَزِعَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ جُنْدِهِ إِذَا هَلَكَ، ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ فَعَاتَبَهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ ذُنُوبَ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنْ صَغُرَتْ فَهِيَ عظيمة عند الله ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا﴾ [ص: ٢٤] أَيْ سَاجِدًا، عَبَّرَ بِالرُّكُوعِ عَنِ السجود لأن كل واحد منهما فِيهِ انْحِنَاءٌ، قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: سَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا﴾ [ص: ٢٤] هَلْ يُقَالُ لِلرَّاكِعِ خَرَّ؟ قُلْتُ: لَا، وَمَعْنَاهُ فَخَرَّ بَعْدَمَا كَانَ راكعا أي [سجد]. ﴿وَأَنَابَ﴾ [ص: ٢٤] أَيْ رَجَعَ وَتَابَ.
[٢٥] ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ﴾ [ص: ٢٥] يَعْنِي ذَلِكَ الذَّنْبَ، ﴿وَإِنَّ لَهُ﴾ [ص: ٢٥] بعد المغفرة، ﴿عِنْدَنَا﴾ [ص: ٢٥] يوم القيامة، ﴿لَزُلْفَى﴾ [ص: ٢٥] لقربة ومكانة، ﴿وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٢٥] أي حسن مرجع ومنقلب.
[٢٦] قوله عز وجل: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ﴾ [ص: ٢٦] تُدَبِّرُ أُمُورَ الْعِبَادِ بِأَمْرِنَا، ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ [ص: ٢٦] بِالْعَدْلِ، ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾ [ص: ٢٦] أَيْ بِأَنْ تَرَكُوا الْإِيمَانَ بِيَوْمِ الْحِسَابِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: بِتَرْكِهِمُ الْعَمَلَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ يَوْمَ الْحِسَابِ بِمَا نَسُوا، أَيْ تَرَكُوا الْقَضَاءَ بالعدل.
[قوله تعالى وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا] بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا...
[٢٧] ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا﴾ [ص: ٢٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا لِثَوَابٍ وَلَا لِعِقَابٍ. ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [ص: ٢٧] يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ هُمُ الَّذِينَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ خُلِقُوا لِغَيْرِ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ لَا بَعْثَ وَلَا حِسَابَ. ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص: ٢٧]
[٢٨] ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ [ص: ٢٨] قَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ لِلْمُؤْمِنِينَ: إِنَّا نُعْطَى فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يُعْطَوْنَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾ [ص: ٢٨] أَيِ الْمُؤْمِنِينَ كَالْكُفَّارِ. وَقِيلَ: أَرَادَ


الصفحة التالية
Icon