وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: لَا يُنْفِقُونَ فِي الطَّاعَةِ وَلَا يَتَصَدَّقُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يُزَكُّونَ أَعْمَالَهُمْ ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [فصلت: ٧]
[٨] ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ [فصلت: ٨] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: غَيْرُ مَنْقُوصٍ، وَمِنْهُ الْمَنُونُ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ مُنَّةَ الْإِنْسَانِ وَقُوَّتَهُ، وَقِيلَ: غَيْرُ مَمْنُونٍ عَلَيْهِمْ بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: غَيْرُ مَحْسُوبٍ. وَقَالَ الْسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمَرْضَى وَالزَّمْنَى وَالْهَرْمَى، إِذَا عَجَزُوا عَنِ الطَّاعَةِ يُكْتَبُ لَهُمُ كَأَصَحِّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِيهِ.
[٩] قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ٩] يوم الأحد ويوم الاثنين، ﴿وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [فصلت: ٩]
[١٠] ﴿وَجَعَلَ فِيهَا﴾ [فصلت: ١٠] أي في الأرض، ﴿رَوَاسِيَ﴾ [فصلت: ١٠] جبالا ثوابت، ﴿مِنْ فَوْقِهَا﴾ [فصلت: ١٠] مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ، ﴿وَبَارَكَ فِيهَا﴾ [فصلت: ١٠] أَيْ فِي الْأَرْضِ بِمَا خَلَقَ فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْأَشْجَارِ والثمار، ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ [فصلت: ١٠] قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ: قَسَّمَ فِي الْأَرْضِ أَرْزَاقَ الْعِبَادِ وَالْبَهَائِمِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ: قَدَّرَ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ فِي الْأُخْرَى لِيَعِيشَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِالتِّجَارَةِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَدَّرَ الْخُبْزَ لِأَهْلِ قُطْرٍ وَالذُّرَةَ لِأَهْلِ قُطْرٍ وَالسَّمَكَ لِأَهْلِ قُطْرٍ وَكَذَلِكَ أَقْوَاتُهَا. ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ [فصلت: ١٠] يُرِيدُ خَلَقَ مَا فِي الْأَرْضِ وَقَدَّرَ الْأَقْوَاتَ فِي يَوْمَيْنِ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ فَهُمَا مَعَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، رَدَّ الْآخِرَ على الأول في الذكر ﴿سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ [فصلت: ١٠] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ (سَوَاءٌ) رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَيْ هِيَ سَوَاءٌ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ بِالْجَرِّ عَلَى نَعْتِ قوله: ﴿فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ [فصلت: ١٠] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (سَوَاءً) نَصْبٌ عَلَى المصدر استوت اسْتِوَاءً، وَمَعْنَاهُ: سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: مَنْ سَأَلَ عَنْهُ فَهَكَذَا الْأَمْرُ سَوَاءٌ لَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَ فِي كَمْ خُلِقَتِ الْأَرْضُ وَالْأَقْوَاتُ؟
[١١] ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ [فصلت: ١١] أَيْ عَمَدَ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ، ﴿وَهِيَ دُخَانٌ﴾ [فصلت: ١١] وَكَانَ ذَلِكَ الدُّخَانُ بُخَارَ الْمَاءِ، ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ [فصلت: ١١] أَيِ: ائْتِيَا مَا آمُرُكُمَا أَيِ: افْعَلَاهُ، كَمَا يُقَالُ: ائْتِ مَا هذا الْأَحْسَنُ أَيِ افْعَلْهُ. وَقَالَ طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ائْتِيَا أَعْطِيَا، يَعْنِي: أَخْرِجَا مَا خَلَقْتُ فِيكُمَا مِنَ الْمَنَافِعِ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَمَّا أَنْتِ يَا سَمَاءُ فَأَطْلِعِي شَمْسَكِ وَقَمَرَكِ وَنُجُومَكِ، وَأَنْتِ يَا أَرْضُ فَشُقِّي أَنْهَارَكِ وَأَخْرِجِي ثِمَارَكِ وَنَبَاتَكِ، وَقَالَ لَهُمَا افْعَلَا مَا آمُرُكُمَا طَوْعًا وَإِلَّا أَلْجَأْتُكُمَا إِلَى ذَلِكَ حَتَّى تَفْعَلَاهُ كَرْهًا فأجابتا بالطوع، ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: ١١] وَلَمْ يَقُلْ طَائِعَتَيْنِ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، مَجَازُهُ: أَتَيْنَا بِمَا فِينَا طَائِعِينَ، فَلَمَّا وَصَفَهُمَا بِالْقَوْلِ أَجْرَاهُمَا فِي الْجَمْعِ مُجْرَى مَنْ يَعْقِلُ.
[قوله تعالى فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى] فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا...


الصفحة التالية
Icon