[٢٦] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [فصلت: ٢٦] مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْغَطُوا فِيهِ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُوصِي إِلَى بَعْضٍ. إِذَا رَأَيْتُمْ مُحَمَّدًا يَقْرَأُ فَعَارِضُوهُ بِالرَّجَزِ وَالشِّعْرِ وَاللَّغْوِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَالْغَوْا فِيهِ بالْمُكاء وَالصَّفِيرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَكْثِرُوا الْكَلَامَ فَيَخْتَلِطُ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ. وَقَالَ الْسُّدِّيُّ: صِيحُوا فِي وَجْهِهِ. ﴿لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦] مُحَمَّدًا عَلَى قِرَاءَتِهِ.
[٢٧] ﴿فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي﴾ [فصلت: ٢٧] يَعْنِي بِأَسْوَأِ الَّذِي، أَيْ بِأَقْبَحِ الذي، ﴿كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [فصلت: ٢٧] فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ.
[٢٨] ﴿ذَلِكَ﴾ [فصلت: ٢٨] الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ، ﴿جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ﴾ [فصلت: ٢٨] ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ الْجَزَاءَ فَقَالَ: ﴿النَّارُ﴾ [فصلت: ٢٨] أَيْ هُوَ النَّارُ، ﴿لَهُمْ فِيهَا﴾ [فصلت: ٢٨] أَيْ فِي النَّارِ، ﴿دَارُ الْخُلْدِ﴾ [فصلت: ٢٨] دَارُ الْإِقَامَةِ لَا انْتِقَالَ مِنْهَا، ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: ٢٨]
[٢٩] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [فصلت: ٢٩] أَيْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ، ﴿رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ﴾ [فصلت: ٢٩] يَعْنُونَ إِبْلِيسَ وَقَابِيلَ بْنَ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ لِأَنَّهُمَا سنَّا المعصية، ﴿نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا﴾ [فصلت: ٢٩] فِي النَّارِ ﴿لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ﴾ [فصلت: ٢٩] لِيَكُونَا فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِيَكُونَا أشد عذابا منا.
[قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا] تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا...
[٣٠] قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [فصلت: ٣٠] سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِيقُ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- عَنِ الِاسْتِقَامَةِ فَقَالَ: أَنْ لَا تُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: الِاسْتِقَامَةُ أَنْ تَسْتَقِيمَ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَلَا تَرُوغَ رَوَغَانَ الثَّعْلَبِ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَخْلَصُوا الْعَمَلَ لِلَّهِ. وَقَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَدَّوُا الْفَرَائِضَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اسْتَقَامُوا عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: اسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ وَاجْتَنَبُوا مَعْصِيَتَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: اسْتَقَامُوا عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى لحقوا بالله ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [فصلت: ٣٠] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عِنْدَ الْمَوْتِ. وقال قتادة ومقاتل: إذ قَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ. قَالَ وَكِيعُ بْنُ الْجِرَاحِ: الْبُشْرَى تَكُونُ فِي ثلاثة مَوَاطِنَ: عِنْدَ الْمَوْتِ وَفِي الْقَبْرِ وعند البعث. ﴿أَلَّا تَخَافُوا﴾ [فصلت: ٣٠] مِنَ الْمَوْتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَخَافُوا عَلَى مَا تَقْدَمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ. ﴿وَلَا تَحْزَنُوا﴾ [فصلت: ٣٠] عَلَى مَا خَلَّفْتُمْ مِنْ أَهْلٍ وَوَلَدٍ، فَإِنَّا نَخْلُفُكُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: لَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا عَلَى ذُنُوبِكُمْ فَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكُمْ، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: ٣٠]
[٣١] ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ﴾ [فصلت: ٣١] تَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ تَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ بِالْبِشَارَةِ: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ أَنْصَارُكُمْ وَأَحِبَّاؤُكُمْ، ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [فصلت: ٣١] أي في الدنيا والآخرة. قال الْسُّدِّيُّ: تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ نَحْنُ الْحَفَظَةُ الَّذِينَ كُنَّا مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَنَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْآخِرَةِ يَقُولُونَ لَا نُفَارِقُكُمْ حَتَّى تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ. ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ﴾ [فصلت: ٣١] مِنَ الْكَرَامَاتِ وَاللَّذَّاتِ، ﴿وَلَكُمْ فِيهَا﴾ [فصلت: ٣١] في الجنة ﴿مَا تَدَّعُونَ﴾ [فصلت: ٣١] تتمنون. ٣٢،
[٣٣] ﴿نُزُلًا﴾ [فصلت: ٣٢] رزقا، ﴿مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ - وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ [فصلت: ٣٢ - ٣٣] إِلَى طَاعَتِهِ، ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: ٣٣] قال ابن سيرين. هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي أَجَابَ اللَّهَ فِي دَعْوَتِهِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى مَا أَجَابَ إِلَيْهِ، وَعَمِلَ صَالِحًا فِي إِجَابَتِهِ، وَقَالَ: إنني مع الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَرَى هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُؤَذِّنِينَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ. هُوَ الْمُؤَذِّنُ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، وَعَمِلَ صَالِحًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. وَقَالَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ: هُوَ الصَّلَاةُ بين الأذان الإقامة.


الصفحة التالية
Icon