الصَّالِحِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ إِلَّا أَنْ تَوَدُّوا قَرَابَتِي وَعِتْرَتِي وَتَحْفَظُونِي فيهم. وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣] لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ مُتَّصِلٍ بِالْأَوَّلِ حَتَّى يكون ذلك أجرا على مُقَابَلَةِ أَدَاءِ الرِّسَالَةِ، بَلْ هُوَ مُنْقَطِعٌ، وَمَعْنَاهُ: وَلَكِنِّي أُذَكِّرُكُمُ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَأُذَكِّرُكُمْ قَرَابَتِي مِنْكُمْ ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ [الشورى: ٢٣] أي من يكتسب طَاعَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا بالتضعيف، ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ [الشورى: ٢٣] للذنوب، ﴿شَكُورٌ﴾ [الشورى: ٢٣] لِلْقَلِيلِ حَتَّى يُضَاعِفَهَا.
[٢٤] ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ [الشورى: ٢٤] بَلْ يَقُولُونَ يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ، ﴿افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشورى: ٢٤] قال مجاهد: نربط عَلَى قَلْبِكَ بِالصَّبْرِ حَتَّى لَا يَشُقَّ عَلَيْكَ أَذَاهُمْ، وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ مُفْتَرٍ، قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي يَطْبَعُ عَلَى قَلْبِكَ فَيُنْسِيكَ الْقُرْآنَ وَمَا أَتَاكَ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَوِ افْتَرَى على الله كذبا لَفَعَلَ بِهِ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فقال: ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ [الشورى: ٢٤] قَالَ الْكِسَائِيُّ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ مجازه: والله يمحو الباطل. فهو في محل رفع ولكنه حذفت مِنْهُ الْوَاوَ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى اللَّفْظِ كَمَا حُذِفَتْ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ﴾ [الإسراء: ١١] و ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ [الْعَلَقِ: ١٨] أَخْبَرَ أَنَّ مَا يَقُولُونَهُ بَاطِلٌ يَمْحُوهُ اللَّهُ، ﴿وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾ [الشورى: ٢٤] أَيِ الْإِسْلَامَ بِمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ، وَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فَمَحَا بَاطِلَهُمْ وَأَعْلَى كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ، ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الشورى: ٢٤]
[٢٥] ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ [الشورى: ٢٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَوْلِيَاءَهُ وَأَهْلَ طَاعَتِهِ، قِيلَ: التَّوْبَةُ تَرْكُ الْمَعَاصِيَ نِيَّةً وَفِعْلًا، وَالْإِقْبَالُ عَلَى الطَّاعَةِ نِيَّةً وَفِعْلًا، قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: التَّوْبَةُ الِانْتِقَالُ مِنَ الْأَحْوَالِ الْمَذْمُومَةِ إِلَى الْأَحْوَالِ المحمودة. ﴿وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ [الشورى: ٢٥] إذا تابوا فلا يؤاخذهم بها ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: ٢٥] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ ﴿تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: ٢٥] بِالتَّاءِ، وَقَالُوا: هُوَ خِطَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ لِأَنَّهُ بَيْنَ خَبَرَيْنِ عَنْ قَوْمٍ، فَقَالَ: قَبْلَهُ يقبل التوبة عَنْ عِبَادِهِ، وَبَعْدَهُ: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فضله.
[٢٦] ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الشورى: ٢٦] أَيْ وَيُجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الشورى: ٢٦] إِذَا دَعَوْهُ، وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَيُثِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا. ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الشورى: ٢٦] سِوَى ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ تَفَضُّلًا مِنْهُ. وقال أَبُو صَالِحٍ عَنْهُ: يُشَفِّعُهُمْ فِي إِخْوَانِهِمْ، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قَالَ فِي إِخْوَانِ إِخْوَانِهِمْ. ﴿وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الشورى: ٢٦]
[٢٧] ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ﴾ [الشورى: ٢٧] قَالَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ: فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّا نَظَرْنَا إِلَى أَمْوَالِ بَنِي قُرَيْظَةَ والنضير وَبَنِي قَيْنُقَاعَ فَتَمَنَّيْنَاهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَذِهِ الْآيَةَ ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ﴾ [الشورى: ٢٧] وسع الله الرزق ﴿لِعِبَادِهِ﴾ [الشورى: ٢٧] ﴿لَبَغَوْا﴾ [الشورى: ٢٧] لطغوا وعتوا، ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى: ٢٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَغْيُهُمْ