الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي، أَمْ أُقْتَلَ كَمَا قُتِلَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِي، وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُصَدِّقُونَ لَا أَدْرِي تُخْرَجُونَ مَعِي أَمْ تُتْرَكُونَ، أَمْ ماذا يفعل بكم أَيُّهَا الْمُكَذِّبُونَ، أَتُرْمَوْنَ بِالْحِجَارَةِ مِنَ السماء أم يخسف بكم، أي شيء يفعل بكم، كما فُعِلَ بِالْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ؟ ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّهُ يُظْهِرُ دِينَهُ عَلَى الْأَدْيَانِ، فَقَالَ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: ٣٣] وَقَالَ فِي أُمَّتِهِ: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الْأَنْفَالِ: ٣٣] فَأَخْبَرَ اللَّهُ مَا يُصْنَعُ به وأمته ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأحقاف: ٩] أَيْ مَا أَتَّبِعُ إِلَّا الْقُرْآنَ وَلَا أَبْتَدِعُ مِنْ عِنْدِي شَيْئًا، ﴿وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الأحقاف: ٩]
[١٠] ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ﴾ [الأحقاف: ١٠] مَعْنَاهُ أَخْبَرُونِي مَاذَا تَقُولُونَ ﴿إِنْ كَانَ﴾ [الأحقاف: ١٠] يَعْنِي الْقُرْآنَ ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ﴾ [الأحقاف: ١٠] أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ [الأحقاف: ١٠] الْمِثْلُ: صِلَةٌ يَعْنِي عَلَيْهِ، أَيْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ﴿فَآمَنَ﴾ [الأحقاف: ١٠] يعني الشاهد، ﴿وَاسْتَكْبَرْتُمْ﴾ [الأحقاف: ١٠] عن الإيمان به وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا. الشَّاهِدِ قَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، شَهِدَ عَلَى نُبُوَّةِ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَآمَنَ بِهِ، وَاسْتَكْبَرَ الْيَهُودُ فَلَمْ يؤمنوا. وَقَالَ الْآخَرُونَ: الشَّاهِدُ هُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ قَالَ مَسْرُوقٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بن سلام، لأن حم نَزَلَتْ بِمَكَّةَ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ بِالْمَدِينَةِ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مُحَاجَّةٍ كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِقَوْمِهِ، وَمِثْلُ الْقُرْآنِ التَّوْرَاةُ فَشَهِدَ مُوسَى عَلَى التَّوْرَاةِ وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- على القرآن، وَكُلُّ وَاحِدٍ يُصَدِّقُ الْآخَرَ. وَقِيلَ: هُوَ نَبِيٌّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فآمن واستكبرتم فلم تؤمنوا.
[١١] ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأحقاف: ١١] مِنَ الْيَهُودِ، ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ﴾ [الأحقاف: ١١] دِينُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ﴿خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ [الأحقاف: ١١] يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، قَالُوا: لَوْ كَانَ مَا يَدْعُونَا إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا إِلَيْهِ فَلَانٌ وَفُلَانٌ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الَّذِينَ كَفَرُوا أَسَدٌ وَغَطَفَانُ، قَالُوا لِلَّذِينِ آمَنُوا يَعْنِي جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ: لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا إِلَيْهِ رِعَاءُ الْبُهُمِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ﴾ [الأحقاف: ١١] يَعْنِي بِالْقُرْآنِ كَمَا اهْتَدَى بِهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ، ﴿فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ [الأحقاف: ١١] كَمَا قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.
[١٢] ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ﴾ [الأحقاف: ١٢] أَيْ وَمِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ ﴿كِتَابُ مُوسَى﴾ [الأحقاف: ١٢] يعني التوراة، ﴿إِمَامًا﴾ [الأحقاف: ١٢] يقتدى به ﴿وَرَحْمَةً﴾ [الأحقاف: ١٢] مِنَ اللَّهِ لِمَنْ آمَنَ بِهِ ﴿وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ﴾ [الأحقاف: ١٢] أَيِ الْقُرْآنُ مُصَدِّقٌ لِلْكُتُبِ الَّتِي قبله ﴿لِسَانًا عَرَبِيًّا﴾ [الأحقاف: ١٢] نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ: بِلِسَانٍ عربي، ﴿لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الأحقاف: ١٢] يَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَيَعْقُوبُ: لِتُنْذِرَ بِالتَّاءِ عَلَى خِطَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ يعني الكتاب، ﴿وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ [الأحقاف: ١٢] ﴿وَبُشْرَى﴾ [الأحقاف: ١٢] فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، أَيْ هَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ وَبُشْرَى.
[١٣- ١٤] ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ - أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأحقاف: ١٣ - ١٤]
[قوله تعالى وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ] أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا...
[١٥] قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ [الأحقاف: ١٥] يريد شدة الطلق ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ﴾ [الأحقاف: ١٥] فطامه ﴿ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] يُرِيدُ أَقَلَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَكْثَرَ مُدَّةِ الرِّضَاعِ أربعة وعشرون شَهْرًا، ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأحقاف: ١٥] نِهَايَةَ قُوَّتِهِ، وَغَايَةَ شَبَابِهِ وَاسْتِوَائِهِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَذَلِكَ قوله: ﴿وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ [الأحقاف: ١٥] وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَدْ مَضَتِ الْقِصَّةُ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَبِيهِ قُحَافَةَ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرٍو، وَأُمِّهِ أُمِّ الْخَيْرِ بِنْتِ صَخْرِ بْنِ عَمْرٍو. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي