[١٩] ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾ [الأحقاف: ١٩] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عنهما-: يُرِيدُ مَنْ سَبَقَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ ولو بساعة. قال مُقَاتِلٌ: وَلِكُلٍّ فَضَائِلُ بِأَعْمَالِهِمْ فَيُوَفِّيهِمُ اللَّهُ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ. وَقِيلَ: وَلِكُلٍّ يَعْنِي وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ المؤمنين والكافرين درجات، يعني مَنَازِلُ، وَمَرَاتِبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَعْمَالِهِمْ، فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ درج أهل النار تذهب سفالا، وَدَرَجُ أَهْلُ الْجَنَّةِ تَذْهَبُ عُلْوًا. ﴿وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ [الأحقاف: ١٩] ليكتمل لهم ثواب أعمالهم، ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأحقاف: ١٩]
[٢٠] ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ﴾ [الأحقاف: ٢٠] فَيُقَالُ لَهُمْ ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا﴾ [الأحقاف: ٢٠] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ: (أَأَذْهَبْتُمْ)، بِالِاسْتِفْهَامِ، وَيَهْمِزُ ابْنُ عَامِرٍ هَمْزَتَيْنِ، وَالْآخَرُونَ بِلَا اسْتِفْهَامٍ عَلَى الْخَبَرِ وَكِلَاهُمَا فَصِيحَانِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَفْهِمُ بِالتَّوْبِيخِ، وتترك الِاسْتِفْهَامِ فَتَقُولُ: أَذَهَبْتَ فَفَعَلْتَ كَذَا؟ ﴿وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾ [الأحقاف: ٢٠] يقول: أذهبت طَيِّبَاتِكُمْ يَعْنِي اللَّذَّاتِ وَتَمَتَّعْتُمْ بِهَا ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأحقاف: ٢٠] أَيِ الْعَذَابَ الَّذِي فِيهِ ذُلٌّ وخزي، ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٠] تَتَكَبَّرُونَ، ﴿فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٠] فَلَمَّا وَبَّخَ اللَّهُ الْكَافِرِينَ بِالتَّمَتُّعِ بِالطَّيِّبَاتِ فِي الدُّنْيَا آثَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ الصالحون اجْتِنَابَ اللَّذَّاتِ فِي الدُّنْيَا رَجَاءَ ثواب الآخرة.
[قوله تعالى وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ] وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ...
[٢١] قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ﴾ [الأحقاف: ٢١] يعني هودا، ﴿إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ﴾ [الأحقاف: ٢١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْأَحْقَافُ: وَادٍ بَيْنَ عُمَانَ وَمَهْرَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَتْ مَنَازِلُ عَادٍ بِالْيَمَنِ فِي حَضْرَمَوْتَ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: مَهْرَةُ وَإِلَيْهَا تُنْسَبُ الْإِبِلُ الْمُهْرِيَّةُ، وَكَانُوا أَهْلَ عُمُدٍ سَيَّارَةٍ فِي الرَّبِيعِ فَإِذَا هَاجَ الْعُودُ رَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ، وَكَانُوا مِنْ قَبِيلَةِ إِرَمَ. قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَادًا كَانُوا أَحْيَاءً بِالْيَمَنِ وَكَانُوا أَهْلَ رَمْلٍ مُشْرِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ بأرض يقال لها الشِّحْر. والأحقاف جَمْعُ حِقْفٍ وَهِيَ الْمُسْتَطِيلُ الْمُعْوَجُّ مِنَ الرِّمَالِ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ مَا اسْتَطَالَ مِنَ الرَّمْلِ، كَهَيْئَةِ الْجَبَلِ وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ جَبَلًا، قَالَ الْكِسَائِيُّ: هِيَ ما استدار من الرمال، ﴿وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ﴾ [الأحقاف: ٢١] مَضَتِ الرُّسُلُ، ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ [الأحقاف: ٢١] أَيْ مِنْ قَبْلِ هُودٍ، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ [الأحقاف: ٢١] إِلَى قَوْمِهِمْ، ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأحقاف: ٢١]
[٢٢] ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا﴾ [الأحقاف: ٢٢] لتصرفنا، ﴿عَنْ آلِهَتِنَا﴾ [الأحقاف: ٢٢] أَيْ عَنْ عِبَادَتِهَا، ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ [الأحقاف: ٢٢] مِنَ الْعَذَابِ، ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الأحقاف: ٢٢] أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِنَا.
[٢٣] ﴿قَالَ﴾ [الأحقاف: ٢٣] هُودٌ، ﴿إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحقاف: ٢٣] وَهُوَ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ ﴿وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ [الأحقاف: ٢٣]


الصفحة التالية
Icon