التَّوْرَاةِ وَكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- ﴿وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ﴾ [محمد: ٢٨] كَرِهُوا مَا فِيهِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَهُوَ الطَّاعَةُ وَالْإِيمَانُ، ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٢٨]
[٢٩] ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [محمد: ٢٩] يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ، ﴿أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ﴾ [محمد: ٢٩] أن لَنْ يُظْهِرَ أَحْقَادَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَيُبْدِيهَا حَتَّى يَعْرِفُوا نِفَاقَهُمْ، وَاحِدُهَا ضِغْنٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَسَدُهُمْ.
[قوله تعالى وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ] وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ...
[٣٠] ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ﴾ [محمد: ٣٠] أَيْ لَأَعْلَمْنَاكَهُمْ وَعَرَّفْنَاكَهُمْ، ﴿فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ [محمد: ٣٠] بِعَلَامَتِهِمْ، قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا عَلَى الْمُنَافِقِينَ عَلَامَةً تَعْرِفُهُمْ بِهَا. قَالَ أَنَسٌ: مَا خَفِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ شَيْءٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ. ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ [محمد: ٣٠] فِي مَعْنَاهُ وَمَقْصِدِهِ، وَاللَّحْنُ: وَجْهَانِ صَوَابٌ وَخَطَأٌ، فَالْفِعْلُ مِنَ الصَّوَابِ لَحِنَ يَلْحَنُ لَحْنًا فَهُوَ لَحِنٌ إِذَا فَطِنَ لِلشَّيْءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ»، وَالْفِعْلُ مِنَ الْخَطَأِ لَحَنَ يَلْحَنُ لَحْنًا فَهُوَ لَاحِنٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ إِزَالَةُ الْكَلَامِ عَنْ جِهَتِهِ، وَالْمَعْنَى إِنَّكَ تَعْرِفُهُمْ فيما يعرضون له مِنْ تَهْجِينِ أَمْرِكَ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ، فَكَانَ بَعْدَ هَذَا لَا يَتَكَلَّمُ مُنَافِقٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلَا عَرَفَهُ بِقَوْلِهِ، وَيَسْتَدِلُّ بِفَحْوَى كَلَامِهِ على فساد خلقه وعقيدته، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٠]
[٣١] ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ [محمد: ٣١] وَلِنُعَامِلَنَّكُمْ مُعَامَلَةَ الْمُخْتَبِرِ بِأَنْ نَأْمُرَكُمْ بِالْجِهَادِ وَالْقِتَالِ، ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [محمد: ٣١] أَيْ عِلْمَ الْوُجُودِ، يُرِيدُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُجَاهِدُ وَالصَّابِرُ عَلَى دِينِهِ من غيره، ﴿وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد: ٣١] أَيْ نُظْهِرُهَا وَنَكْشِفُهَا بِإِبَاءِ مَنْ يَأْبَى الْقِتَالَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى الْجِهَادِ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ (وَلَيَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى يَعْلَمَ)، وَيَبْلُو بِالْيَاءِ فِيهِنَّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٠] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ فِيهِنَّ، لِقَوْلِهِ تعالى ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ﴾ [محمد: ٣٠] وَقَرَأَ يَعْقُوبُ (وَنَبْلُوا) سَاكِنَةَ الْوَاوِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْفَتْحِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ (حَتَّى نَعْلَمَ).
[٣٢] ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [محمد: ٣٢] أي: رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- ﴿وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾ [محمد: ٣٢] إِنَّمَا يَضُرُّونَ أَنْفُسَهُمْ، ﴿وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ٣٢] فَلَا يَرَوْنَ لَهَا ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ الله عنهما-: هم المطعمون يوم بدر، ونظيرها قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٣٦]
[٣٣] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣] قَالَ عَطَاءٌ: بِالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ:


الصفحة التالية
Icon