[٩] ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ [الذاريات: ٩] يُصْرَفُ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ مِنْ صُرِفَ حَتَّى يُكَذِّبَهُ، يَعْنِي مَنْ حَرَمَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ.
وَقِيلَ (عَنْ) بِمَعْنَى: مِنْ أَجْلِ، أَيْ يُصْرَفُ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْقَوْلِ الْمُخْتَلِفِ أَوْ بِسَبَبِهِ عَنِ الْإِيمَانِ من يصرف.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ الْإِيمَانَ فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ سَاحِرٌ وَكَاهِنٌ وَمَجْنُونٌ، فَيَصْرِفُونَهُ عَنِ الإيمان.
[قوله تعالى قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ]...
[١٠] ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ﴾ [الذاريات: ١٠] لُعِنَ الْكَذَّابُونَ، يُقَالُ: تَخَرَّصَ عَلَى فُلَانٍ الْبَاطِلَ، وَهُمُ الْمُقْتَسِمُونَ الَّذِينَ اقتسموا الْقَوْلَ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْرِفُوا النَّاسَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الْكَهَنَةُ.
[١١] ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ﴾ [الذاريات: ١١] غفلة وعمى وجهالة، ﴿سَاهُونَ﴾ [الذاريات: ١١] لَاهُونَ غَافِلُونَ عَنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَالسَّهْوُ: الْغَفْلَةُ عَنِ الشَّيْءِ، وَهُوَ ذَهَابُ الْقَلْبِ عَنْهُ.
[١٢] ﴿يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الذاريات: ١٢] يَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ مَتَى يَوْمُ الْجَزَاءِ، يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَكْذِيبًا وَاسْتِهْزَاءً.
[١٣] قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمَ هُمْ﴾ [الذاريات: ١٣] أَيْ يَكُونُ هَذَا الْجَزَاءُ فِي يَوْمَ هُمْ ﴿عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ [الذاريات: ١٣] أَيْ: يُعَذَّبُونَ وَيُحْرَقُونَ بِهَا كَمَا يُفْتَنُ الذَّهَبُ بِالنَّارِ.
وَقِيلَ: عَلَى بِمَعْنَى الْبَاءِ أَيْ بِالنَّارِ، وَتَقُولُ لَهُمْ خَزَنَةُ النَّارِ:
[١٤] ﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ﴾ [الذاريات: ١٤] عَذَابَكُمْ، ﴿هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الذاريات: ١٤] فِي الدُّنْيَا تَكْذِيبًا بِهِ. ١٥،
[١٦] ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ - آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ﴾ [الذاريات: ١٥ - ١٦] أعطاهم، ﴿رَبُّهُمْ﴾ [الذاريات: ١٦] مِنَ الْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ﴾ [الذاريات: ١٦] قبل دخولهم الجنة، ﴿مُحْسِنِينَ﴾ [الذاريات: ١٦] فِي الدُّنْيَا.
[١٧] ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات: ١٧] وَالْهُجُوعُ النَّوْمُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَمَا صِلَةٌ، وَالْمَعْنَى: كَانُوا يَهْجَعُونَ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ أَيْ يُصَلُّونَ أَكْثَرَ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَانَ اللَّيْلُ الَّذِي يَنَامُونَ فِيهِ كُلُّهُ قليلا، هذا مَعْنَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَعْنِي: كَانُوا قَلَّ لَيْلَةٌ تَمُرُّ بِهِمْ إِلَّا صَلَّوْا فِيهَا شَيْئًا إِمَّا مِنْ أولها أو من أوسطها، وَوَقَفَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ: قَلِيلًا أَيْ كَانُوا مِنَ النَّاسِ قَلِيلًا، ثُمَّ ابْتَدَأَ: ﴿مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات: ١٧] وَجَعَلَهُ جَحْدًا، أَيْ: لَا يَنَامُونَ بِاللَّيْلِ الْبَتَّةَ، بَلْ يَقُومُونَ لِلصَّلَاةِ والعبادة.
[١٨] ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: ١٨] قَالَ الْحَسَنُ: لَا يَنَامُونَ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا أَقَلَّهُ، وَرُبَّمَا نَشِطُوا فَمَدُّوا إِلَى السَّحَرِ، ثُمَّ أَخَذُوا في الأسحار بالاستغفار.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: وَبِالْأَسْحَارِ يُصَلُّونَ، وَذَلِكَ أَنَّ صَلَاتَهُمْ بِالْأَسْحَارِ طلب المغفرة.
[١٩] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [الذاريات: ١٩] السَّائِلُ الَّذِي يَسْأَلُ النَّاسَ، وَالْمَحْرُومُ الذي ليس له في الغنيمة سَهْمٌ، وَلَا يُجْرَى عَلَيْهِ مِنَ الْفَيْءِ شَيْءٌ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عباس وسعيد بن


الصفحة التالية
Icon