هُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ بلا ابتداء بل كَانَ هُوَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ موجودا، والآخر بَعْدَ فَنَاءِ كُلِّ شَيْءٍ بِلَا انْتِهَاءٍ، تَفْنَى الْأَشْيَاءُ وَيَبْقَى هُوَ والظاهر الْغَالِبُ الْعَالِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، والباطن الْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ يَمَانٌ: هو الأول القديم والآخر الرحيم، والظاهر الحليم، والباطن الْعَلِيمُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الْأَوَّلُ بِبِرِّهِ إِذْ عَرَّفَكَ تَوْحِيدَهُ، وَالْآخِرُ بِجُودِهِ إِذْ عَرَّفَكَ التَّوْبَةَ عَلَى مَا جَنَيْتَ، وَالظَّاهِرُ بِتَوْفِيقِهِ إِذْ وَفَّقَكَ لِلسُّجُودِ لَهُ، وَالْبَاطِنُ بِسَتْرِهِ إذا عَصَيْتَهُ فَسَتَرَ عَلَيْكَ.
وَقَالَ الْجُنَيْدُ: هُوَ الْأَوَّلُ بِشَرْحِ الْقُلُوبِ، وَالْآخِرُ بِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ، وَالظَّاهِرُ بِكَشْفِ الْكُرُوبِ، وَالْبَاطِنُ بِعِلْمِ الْغُيُوبِ.
وَسَأَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَعْبًا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: مَعْنَاهَا إِنَّ عِلْمَهُ بِالْأَوَّلِ كَعِلْمِهِ بِالْآخَرِ، وَعِلْمَهُ بِالظَّاهِرِ كَعِلْمِهِ بِالْبَاطِنِ. ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد: ٣]
[٤] ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ [الحديد: ٤] بالعلم، ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد: ٤]
[٥] ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ [الحديد: ٥]
[٦، ٧] ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ - آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحديد: ٦ - ٧] يُخَاطِبُ كُفَّارَ مَكَّةَ، ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: ٧] مُمَلَّكِينَ فِيهِ يَعْنِي الْمَالَ الَّذِي كَانَ بِيَدِ غَيْرِهِمْ فَأَهْلَكَهُمْ وَأَعْطَاهُ قُرَيْشًا فَكَانُوا فِي ذَلِكَ الْمَالِ خلفاء ممن مَضَوْا، ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد: ٧]
[٨] ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ﴾ [الحديد: ٨] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو (أُخِذَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ (مِيثَاقُكُمْ) بِرَفْعِ الْقَافِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ والخاء ونصب القاف، أَيْ: أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَكُمْ حِينَ أَخْرَجَكُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ لَكُمْ سِوَاهُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
وَقِيلَ: أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الحديد: ٨] يَوْمًا فَالْآنَ أَحْرَى الْأَوْقَاتِ أَنْ تُؤْمِنُوا لِقِيَامِ الْحُجَجِ وَالْإِعْلَامِ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُزُولِ الْقُرْآنِ.
[٩] ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الحديد: ٩] مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ﴿آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الحديد: ٩] يعني بالقرآن، ﴿لِيُخْرِجَكُمْ﴾ [الحديد: ٩] اللَّهُ بِالْقُرْآنِ، ﴿مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الحديد: ٩] وَقِيلَ: لِيُخْرِجَكُمُ الرَّسُولُ بِالدَّعْوَةِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أَيْ مِنَ ظُلُمَاتِ الشِّرْكِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحديد: ٩]
[١٠] ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: ١٠] يَقُولُ: أَيُّ شَيْءٍ لَكُمْ فِي تَرْكِ