فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ﴿يُضَاعَفُ لَهُمْ﴾ [الحديد: ١٨] ذَلِكَ الْقَرْضُ ﴿وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ [الحديد: ١٨] ثواب حسن وهو الجنة.
[قوله تعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ] الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ...
[١٩] ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ [الحديد: ١٩] وَالصِّدِّيقُ الْكَثِيرُ الصِّدْقَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: كل من آمن بالله ورسله فَهُوَ صِدِّيقٌ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ.
قَالَ الضَّحَّاكُ: هُمْ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَبَقُوا أَهْلَ الْأَرْضِ فِي زَمَانِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَحَمْزَةُ، وَتَاسِعُهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَلْحَقَهُ اللَّهُ بِهِمْ لِمَا عَرَفَ مِنْ صِدْقِ نيته.
﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الحديد: ١٩] اخْتَلَفُوا فِي نَظْمِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مُتَّصِلَةٌ بما قبلها والواو وَاوُ النَّسَقِ، وَأَرَادَ بِالشُّهَدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ المخلصين.
وقال الضحاك: هم الذين سميناهم.
وقال مُجَاهِدٌ: كُلُّ مُؤْمِنٍ صِدِّيقٌ شَهِيدٌ، وَتلَا هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ قَوْمٌ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ [الحديد: ١٩] ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ ربهم، والواو وَاوُ الِاسْتِئْنَافِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٍ وَجَمَاعَةٍ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِمْ فَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عباس وهو قول مقاتل بن حياد.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ: هُمُ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [الحديد: ١٩] بِمَا عَمِلُوا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، ﴿وَنُورُهُمْ﴾ [الحديد: ١٩] عَلَى الصِّرَاطِ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [الحديد: ١٩]
[٢٠] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [الحديد: ٢٠] أي الحياة الدنيا، (مَا) صِلَةٌ أَيْ أَنَّ الْحَيَاةَ في هذه الدار، ﴿لَعِبٌ﴾ [الحديد: ٢٠] بَاطِلٌ لَا حَاصِلَ لَهُ، ﴿وَلَهْوٌ﴾ [الحديد: ٢٠] فرح ثم ينقضي، ﴿وَزِينَةٌ﴾ [الحديد: ٢٠] مَنْظَرٌ تَتَزَيَّنُونَ بِهِ ﴿وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ﴾ [الحديد: ٢٠] يَفْخَرُ بِهِ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ﴿وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الحديد: ٢٠] أَيْ مُبَاهَاةٌ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، ثُمَّ ضَرَبَ لَهَا مَثَلًا فَقَالَ ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ﴾ [الحديد: ٢٠] أي الزراع، ﴿نَبَاتُهُ﴾ [الحديد: ٢٠] مَا نَبَتَ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْثِ، ﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾ [الحديد: ٢٠] ييبس، ﴿فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا﴾ [الحديد: ٢٠] بَعْدَ خُضْرَتِهِ وَنَضْرَتِهِ، ﴿ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا﴾ [الحديد: ٢٠] يَتَحَطَّمُ وَيَتَكَسَّرُ بَعْدَ يُبْسِهِ وَيَفْنَى، ﴿وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [الحديد: ٢٠] قَالَ مُقَاتِلٌ: لِأَعْدَاءِ اللَّهِ، ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾ [الحديد: ٢٠] لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ، ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد: ٢٠] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَتَاعُ الغرور لمن لم يَشْتَغِلُ فِيهَا بِطَلَبِ الْآخِرَةِ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِطَلَبِهَا فَلَهُ مَتَاعُ بِلَاغٍ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ.
[٢١] ﴿سَابِقُوا﴾ [الحديد: ٢١] سَارَعُوا، ﴿إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: ٢١] لَوْ وُصِلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، ﴿أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد: ٢١]