لِلْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ كَاذِبُونَ.
[٣] ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا﴾ [الصف: ٣] قوله: ﴿أَنْ تَقُولُوا﴾ [الصف: ٣] في موضع رفع، فَهُوَ كَقَوْلِكَ بِئْسَ رَجُلًا أَخُوكَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَيْ عَظُمَ ذَلِكَ فِي الْمَقْتِ وَالْبُغْضِ عِنْدَ اللَّهِ، أَيْ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ بُغْضًا شَدِيدًا أَنْ تَقُولُوا ﴿مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٣] أي تَعِدُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ شَيْئًا ثُمَّ لم تفوا بِهِ.
[٤] ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا﴾ [الصف: ٤] أَيْ يَصُفُّونَ أَنْفُسَهُمْ عِنْدَ الْقِتَالِ صَفًّا وَلَا يَزُولُونَ عَنْ أَمَاكِنِهِمْ، ﴿كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف: ٤] قَدْ رُصَّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَيْ أُلْزِقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَأُحْكِمَ فَلَيْسَ فِيهِ فُرْجَةٌ وَلَا خَلَلٌ.
وَقِيلَ: أحكم بالرصاص.
[٥] ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ [الصف: ٥] مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، ﴿يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ [الصف: ٥] وَذَلِكَ حِينَ رَمَوْهُ بِالْأُدْرَةِ، ﴿وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ [الصف: ٥] والرسول يعظم ويحترم، ﴿فَلَمَّا زَاغُوا﴾ [الصف: ٥] عَدَلُوا عَنِ الْحَقِّ، ﴿أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥] أَمَالَهَا عَنِ الْحَقِّ، يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْحَقَّ بِإِيذَاءِ نَبِيِّهِمْ أَمَالَ اللَّهُ قُلُوبَهَمْ عَنِ الْحَقِّ، ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف: ٥] قَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْنِي لَا يَهْدِي مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ فاسق.
[قوله تعالى وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ] إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ...
[٦] ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ [الصف: ٦] وَالْأَلِفُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْحَمْدِ، وَلَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُبَالَغَةٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَيِ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ حَمَّادُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَكْثَرُ حَمْدًا لِلَّهِ مِنْ غَيْرِهِ، والثاني أنه مبالغة من الْمَفْعُولِ أَيِ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ مَحْمُودُونَ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ وهو أكثر مناقبا وَأَجْمَعُ لِلْفَضَائِلِ وَالْمَحَاسِنِ الَّتِي يُحْمَدُ بِهَا ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الصف: ٦]
[٧، ٨] ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: ٧ - ٨]
[٩] ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [الصف: ٩]
[١٠] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ﴾ [الصف: ١٠] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: تنجِّيكم بِالتَّشْدِيدِ وَالْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، ﴿مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الصف: ١٠] نَزَلَ هَذَا حِينَ قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَعَمِلْنَاهُ، وَجَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُمْ يَرْبَحُونَ فيها رِضَا اللَّهِ وَنَيْلَ جَنَّتِهِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ بَيَّنَ تِلْكَ التِّجَارَةَ فَقَالَ:
[١١ - ١٢] ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [الصف: ١١ - ١٢]
[١٣] ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا﴾ [الصف: ١٣] ولكم خصلة أخرى تحبونها فِي الْعَاجِلِ مَعَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَتِلْكَ الْخَصْلَةُ