إليه أيضا الْفَاقَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرْ وَأَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ» فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي بَيْتِهِ إِذْ أَتَاهُ ابْنُهُ وَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ الْعَدُوُّ، فَأَصَابَ إبلا وجاء إلى أبيه (١).
[٣] ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: ٣] ما ساق من الغنم.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهما وابن مسعود: هُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهُ رَازِقُهُ.
وقال الرببع بْنُ خُثَيْمٍ: ﴿يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: ٢] مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ضَاقَ عَلَى الناس.
وقال أبو العالية: ﴿يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: ٢] مِنْ كُلِّ شِدَّةٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: ﴿مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: ٢] عما نهاه الله عَنْهُ.
﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: ٣] يَتَّقِ اللَّهَ فِيمَا: نَابَهُ كَفَاهُ ما أهمه ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ [الطلاق: ٣] أي منفذه أَمْرَهُ، مُمْضٍ فِي خَلْقِهِ قَضَاءَهُ.
﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطلاق: ٣] أي جعل الله لِكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ أجلا ينتهي إليه.
[٤] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ [الطلاق: ٤] فلا يرجون أن يحضن، ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ [الطلاق: ٤] أَيْ شَكَكْتُمْ فَلَمْ تَدْرُوا مَا عدتهن، ﴿فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ [الطلاق: ٤] يَعْنِي الصِّغَارَ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فعدتهن أيضا ثلاثة أَشْهُرٍ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ، أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فعدتها أربعة أشهر وعشر سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ أَوْ لا تحيض، وأما الْحَامِلُ فَعِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: ٤] أي يُسَهِّلْ عَلَيْهِ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
[٥] ﴿ذَلِكَ﴾ [الطلاق: ٥] يَعْنِي مَا ذَكَرَ مِنَ الْأَحْكَامِ، ﴿أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ [الطلاق: ٥]
[قوله تعالى أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ] وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ...
[٦] ﴿أَسْكِنُوهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦] يَعْنِي مُطَلَّقَاتِ نِسَائِكُمْ ﴿مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ﴾ [الطلاق: ٦] (مِنْ) صِلَةٌ أَيْ أَسْكِنُوهُنَّ حَيْثُ سكنتم ﴿مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ [الطلاق: ٦] سَعَتَكُمْ وَطَاقَتَكُمْ يَعْنِي إِنْ كَانَ مُوسِرًا يُوَسِّعُ عَلَيْهَا فِي الْمَسْكَنِ وَالنَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَعَلَى قدر الطاقة، ﴿وَلَا تُضَارُّوهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦] لا تؤذوهن، ﴿لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ [الطلاق: ٦] مَسَاكِنَهُنَّ فَيَخْرُجْنَ، ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦] فيخرجن من عدتهن.
﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ﴾ [الطلاق: ٦] أَيْ أَرْضَعْنَ أَوْلَادَكُمْ، ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦] عَلَى إِرْضَاعِهِنَّ، ﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: ٦] لِيَقْبَلَ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ إِذَا أمره بالمعروف، وقال الْكِسَائِيُّ: شَاوِرُوا، قَالَ مُقَاتِلٌ: بِتَرَاضِي الْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى أَجْرٍ مُسَمَّى، وَالْخِطَابُ لِلزَّوْجَيْنِ جَمِيعًا، يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِالْمَعْرُوفِ وَبِمَا هُوَ الْأَحْسَنُ، ولا يقصدوا
_________
(١) أورد الواحدي بغير سند، وأورده السيوطي في الدر (٦ / ٢٣٣) من رواية ابن مردويه من طريق الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس، وكذا أخرجه الثعلبي من هذا الوجه كما في الكافي الشافي لابن حجر، وأخرجه الطبري من طريق سالم بن أبي الجعد مرسلا، ووصله الحاكم عن جابر، وفي سنده عبيد الله بن كثير تركه الأزدي، ورواه الخطيب في تاريخه من طريق جويبر (متروك) عن الضحاك.