[٤٣] ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ [القلم: ٤٣] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ مِنَ السُّجُودِ وَوُجُوهُهُمْ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ الْكَافِرِينَ والمنافقين: ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ [القلم: ٤٣] يَغْشَاهُمْ ذُلُّ النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ، ﴿وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ [القلم: ٤٣] قَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: يَعْنِي إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانُوا يَسْمَعُونَ حي على الصلاة حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ فَلَا يُجِيبُونَ، ﴿وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ [القلم: ٤٣] أَصِحَّاءُ فَلَا يَأْتُونَهُ، قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: وَاللَّهِ مَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَّا عَنِ الَّذِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجَمَاعَاتِ.
[٤٤] ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ [القلم: ٤٤] أَيْ فَدَعْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ بِالْقُرْآنِ، وَخَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ لَا تَشْغَلْ قَلْبَكَ بِهِ وَكِلْهُ إلي فإني أكفيك أمره، ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ﴾ [القلم: ٤٤] سَنَأْخُذُهُمْ بِالْعَذَابِ، ﴿مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [القلم: ٤٤] فَعُذِّبُوا يَوْمَ بَدْرٍ.
[٤٥ - ٤٨] ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ - أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ - أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ - فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ [القلم: ٤٥ - ٤٨] اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ لِقَضَاءِ رَبِّكَ، ﴿وَلَا تَكُنْ﴾ [القلم: ٤٨] فِي الضَّجَرِ وَالْعَجَلَةِ، ﴿كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ [القلم: ٤٨] وَهُوَ يُونُسُ بْنُ مَتَّى، ﴿إِذْ نَادَى﴾ [القلم: ٤٨] ربه وهو فِي بَطْنِ الْحُوتِ، ﴿وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ [القلم: ٤٨] مَمْلُوءٌ غَمًّا.
[٤٩] ﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ﴾ [القلم: ٤٩] أدركه ﴿نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [القلم: ٤٩] حِينَ رَحِمَهُ وَتَابَ عَلَيْهِ، ﴿لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ﴾ [القلم: ٤٩] لَطُرِحَ بِالْفَضَاءِ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ، ﴿وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ [القلم: ٤٩] يذم ويلام بالذنب.
[٥٠ - ٥١] ﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ [القلم: ٥٠] اصْطَفَاهُ، ﴿فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ - وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾ [القلم: ٥٠ - ٥١] وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ أَرَادُوا أَنْ يُصِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - بالعين فنظروا إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ وَلَا مِثْلَ حججه، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ يُنْفِذُونَكَ، يقال: زَلِقَ السَّهْمُ إِذَا أُنَفِذَ، قَالَ السُّدِّيُّ: يُصِيبُونَكَ بِعُيُونِهِمْ. قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: يُعِينُونَكَ. وَقِيلَ: يُزِيلُونَكَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَصْرَعُونَكَ. وَقِيلَ: يَصْرِفُونَكَ عَمًّا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَيْسَ يُرِيدُ أَنَّهُمْ يُصِيبُونَكَ بِأَعْيُنِهِمْ كَمَا يُصِيبُ الْعَائِنُ بِعَيْنِهِ مَا يُعْجِبُهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ نَظَرًا شَدِيدًا بِالْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، يَكَادُ يُسْقِطُكَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْنِي مِنْ شِدَّةِ عَدَاوَتِهِمْ يَكَادُونَ بِنَظَرِهِمْ نَظَرَ الْبَغْضَاءِ أَنْ لصرعوك، وهذا مستعمل في الكلام يَقُولُ الْقَائِلُ: نَظَرَ إِلَيَّ نَظَرًا يَكَادُ يَصْرَعُنِي، وَنَظَرًا يَكَادُ يَأْكُلُنِي، يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ قَرَنَ هَذَا النَّظَرَ بِسَمَاعِ الْقُرْآنِ. وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾ [القلم: ٥١] وَهْمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ أَشَدَّ الْكَرَاهِيَةِ فَيُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ بِالْبَغْضَاءِ، ﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ [القلم: ٥١] أي ينسبونه لجنون إِذَا سَمِعُوهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ.
[٥٢] فَقَالَ الله - تعالى -: ﴿وَمَا هُوَ﴾ [القلم: ٥٢] يَعْنِي الْقُرْآنَ، ﴿إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ [القلم: ٥٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَوْعِظَةٌ


الصفحة التالية
Icon