يُقَالُ: أَقْسَطَ الرَّجُلُ إِذَا عَدَلَ فَهُوَ مُقْسِطٌ، وَقِسْطٌ إِذَا جَارَ فَهُوَ قَاسِطٌ. ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ [الجن: ١٤] أَيْ قَصَدُوا طَرِيقَ الْحَقِّ وَتَوَخَّوْهُ.
[١٥] ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ﴾ [الجن: ١٥] الَّذِينَ كَفَرُوا، ﴿فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: ١٥] كَانُوا وَقُودَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
[١٦] ثُمَّ رَجَعَ إِلَى كُفَّارِ مَكَّةَ فَقَالَ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ [الجن: ١٦] اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا، فَقَالَ قَوْمٌ. لو استقاموا على طريق الْحَقِّ وَالْإِيمَانِ وَالْهُدَى فَكَانُوا مُؤْمِنِينَ مطيعين، ﴿لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦] كثيرا، قال مقاتل: وذلك بعد ما رَفَعَ عَنْهُمُ الْمَطَرَ سَبْعَ سِنِينَ. وَقَالُوا: مَعْنَاهُ لَوْ آمَنُوا لَوَسَّعْنَا عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَأَعْطَيْنَاهُمْ مَالًا كَثِيرًا وَعَيْشًا رَغَدًا، وَضَرْبُ الْمَاءِ الْغَدَقِ مَثَلًا لِأَنَّ الْخَيْرَ وَالرِّزْقَ كُلَّهُ فِي الْمَطَرِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [المائدة: ٦٦] الآية. وَقَالَ: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الأعراف: ٩٦] الآية.
[١٧] وقوله - تعالى -: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] أَيْ لِنَخْتَبِرَهُمْ كَيْفَ شُكْرُهُمْ فِيمَا خولوا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهَا وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى طَرِيقَةِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ لَأَعْطَيْنَاهُمْ مَالًا كَثِيرًا وَلَوَسَّعْنَا عَلَيْهِمْ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ عُقُوبَةً لَهُمْ وَاسْتِدْرَاجًا حتى يفتتنوا بها فنعذبهم كَمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٤٤] الآية.
﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَاقًّا، وَالْمَعْنَى ذا صعيد أَيْ ذَا مَشَقَّةٍ. قَالَ قَتَادَةُ. لَا رَاحَةَ فِيهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَا فَرَحَ فِيهِ. قَالَ الْحَسَنُ: لَا يَزْدَادُ إِلَّا شِدَّةً. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الصُّعُودَ يَشُقُّ عَلَى الإنسان.
[١٨] ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨] يَعْنِي الْمَوَاضِعَ الَّتِي بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَذِكْرِ اللَّهِ، ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨] قَالَ قَتَادَةُ. كَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إِذَا دَخَلُوا كَنَائِسَهُمْ وَبِيَعَهُمْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُخْلِصُوا لِلَّهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دَخَلُوا الْمَسَاجِدَ وَأَرَادَ بِهَا الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَرَادَ بِهَا الْبِقَاعَ كُلَّهَا لِأَنَّ الْأَرْضَ جُعِلَتْ كُلُّهَا مَسْجِدًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَالَتِ الْجِنُّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ لَنَا أَنْ نَشْهَدَ مَعَكَ الصَّلَاةَ وَنَحْنُ نَاءُونَ؟ فنزلت: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨]
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسَاجِدِ الْأَعْضَاءُ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ وَهِيَ سَبْعَةٌ: الْجَبْهَةُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ، يقول: هذه الأعضاء التي تقع عَلَيْهَا السُّجُودُ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ فَلَا تسجدوا عليها لغيره. فَإِنْ جَعَلْتَ الْمَسَاجِدَ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ فَوَاحِدُهَا مَسْجِدٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَإِنْ جَعَلْتَهَا الْأَعْضَاءَ فَوَاحِدُهَا مَسْجَدٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ.
[١٩] ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ [الجن: ١٩] يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - ﴿يَدْعُوهُ﴾ [الجن: ١٩] يعني يعبده ويقرأ القرآن وذلك حِينَ كَانَ


الصفحة التالية
Icon