قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَالضَّحَّاكِ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عن قوله: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: ٤] فَقَالَ: لَا تَلْبَسْهَا عَلَى مَعْصِيَةٍ ولا على غدر. وَرَوَى أَبُو رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ مَعْنَاهُ: وَعَمَلَكَ فَأَصْلِحْ. قَالَ السُّدِّيُّ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ صَالِحًا إِنَّهُ لَطَاهِرُ الثِّيَابِ، وَإِذَا كَانَ فَاجِرًا إِنَّهُ لَخَبِيثُ الثِّيَابُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَقَلْبَكَ وَنِيَّتَكَ فَطَهِّرْ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْقُرَظِيُّ: وَخُلُقَكَ فَحَسِّنْ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ زَيْدٍ: أَمَرَ بِتَطْهِيرِ الثِّيَابِ مِنَ النَّجَاسَاتِ الَّتِي لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يَتَطَهَّرُونَ وَلَا يُطَهِّرُونَ ثِيَابَهُمْ. وقال طاوس: وَثِيَابَكَ فَقَصِّرْ لِأَنَّ تَقْصِيرَ الثِّيَابِ طهرة لها.
[٥] ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر: ٥] الْمُرَادُ بِالرِّجْزِ الْأَوْثَانُ، قَالَ: فَاهْجُرْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا. وَقِيلَ: الزَّايُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ السِّينِ، وَالْعَرَبُ تُعَاقِبُ بَيْنَ السِّينِ وَالزَّايِ لِقُرْبِ مُخْرِجِهِمَا، وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾ [الْحَجِّ: ٣٠] وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَاهُ. اتْرُكِ الْمَآثِمَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ: الرُّجْزَ بِضَمِّ الرَّاءِ الصَّنَمُ، وبالكسر النجاسة والمعصية. قال الضَّحَّاكُ: يَعْنِي الشِّرْكَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْعَذَابَ، وَمَجَازُ الْآيَةِ: اهْجُرْ مَا أَوْجَبَ لَكَ الْعَذَابَ مِنَ الأعمال.
[٦] ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ [الْمُدَّثِّرِ: ٦] أَيْ لَا تُعْطِ مَالَكَ مُصَانَعَةً لِتُعْطَى أكثر منه، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا تُعْطِ شَيْئًا طَمَعًا لِمُجَازَاةِ الدُّنْيَا، يَعْنِي أَعْطِ لِرَبِّكَ وَأَرِدْ بِهِ اللَّهَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ لَا تَمْنُنْ عَلَى اللَّهِ بِعَمَلِكَ فَتَسْتَكْثِرُهُ، قَالَ الرَّبِيعُ: لَا يكثرن عَمَلَكَ فِي عَيْنِكَ فَإِنَّهُ فِيمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَأَعْطَاكَ قَلِيلٌ. وَرَوَى خُصَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ: وَلَا تَضْعُفْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ مِنَ الْخَيْرِ، من قولهم: حبل منين إِذَا كَانَ ضَعِيفًا، دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ (وَلَا تَمْنُنْ أَنْ تستكثر من الخير)، وقال ابْنُ زِيدٍ مَعْنَاهُ: لَا تَمْنُنْ بِالنُّبُوَّةِ عَلَى النَّاسِ فَتَأْخُذَ عَلَيْهَا أَجْرًا أَوْ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا.
[٧] ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ [المدثر: ٧] قِيلَ: فَاصْبِرْ عَلَى طَاعَتِهِ وَأَوَامِرِهِ ونواهيه لأجل ثواب الله. وقال مُجَاهِدٌ: فَاصْبِرْ لِلَّهِ عَلَى مَا أوذيت فيه. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ. مَعْنَاهُ حَمَلْتَ أمرا عظيما فيه مُحَارَبَةَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَاصْبِرْ عَلَيْهِ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -. وَقِيلَ: فَاصْبِرْ تَحْتَ مَوَارِدِ الْقَضَاءِ لِأَجْلِ اللَّهِ.
[٨] ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ [المدثر: ٨] أَيْ نُفِخَ فِي الصُّورِ، وَهُوَ الْقَرْنُ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ إِسْرَافِيلُ يعني النفخة الثانية.
[٩] ﴿فَذَلِكَ﴾ [المدثر: ٩] أي النفخ في الصور، ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ [المدثر: ٩] يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ [المدثر: ٩] شديد. ١٠) ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المدثر: ١٠] يَعْسُرُ فِيهِ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ، ﴿غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ [المدثر: ١٠] غَيْرُ هَيِّنٍ.


الصفحة التالية
Icon