يُرِيدُ تَكْفِتُهُمْ أَحْيَاءً عَلَى ظَهْرِهَا فِي دُورِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ وَتَكْفِتُهُمْ أَمْوَاتًا في بطنها، أي تحوزهم. ٢٦،
[٢٧] وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا - وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ [المرسلات: ٢٦ - ٢٧] جبالا. ﴿شَامِخَاتٍ﴾ [المرسلات: ٢٧] عاليات، ﴿وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا﴾ [المرسلات: ٢٧] عذبا.
[٢٨] ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المرسلات: ٢٨] قَالَ مُقَاتِلٌ: وَهَذَا كُلُّهُ أَعْجَبُ من البعث الذي تكذبون به، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
[٢٩] ﴿انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [المرسلات: ٢٩] فِي الدُّنْيَا.
[٣٠] ﴿انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ﴾ [المرسلات: ٣٠] يَعْنِي دُخَانَ جَهَنَّمَ إِذَا ارْتَفَعَ انْشَعَبَ وَافْتَرَقَ ثَلَاثَ فِرَقٍ. وَقِيلَ: يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ فَيَتَشَعَّبُ ثلاث: نور ودخان ولهب، فأما النُّورُ فَيَقِفُ عَلَى رُءُوسِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالدُّخَانُ يَقِفُ عَلَى رُءُوسِ الْمُنَافِقِينَ، وَاللَّهَبُ الصَّافِي يَقِفُ عَلَى رُءُوسِ الْكَافِرِينَ.
[٣١] ثُمَّ وَصَفَ ذَلِكَ الظِّلَّ فقال: ﴿لَا ظَلِيلٍ﴾ [المرسلات: ٣١] يُظِلُّ مِنَ الْحَرِّ ﴿وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ﴾ [المرسلات: ٣١] قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا يَرُدُّ لَهَبَ جَهَنَّمَ عَنْكُمْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ إِذَا اسْتَظَلُّوا بِذَلِكَ الظِّلِّ لَمْ يَدْفَعْ عنهم حر اللهب.
[٣٢] ﴿إِنَّهَا﴾ [المرسلات: ٣٢] يعني جهنم، ﴿تَرْمِي بِشَرَرٍ﴾ [المرسلات: ٣٢] وَهُوَ مَا تَطَايَرَ مِنَ النَّارِ، واحدها شررة. ﴿كَالْقَصْرِ﴾ [المرسلات: ٣٢] وَهُوَ الْبِنَاءُ الْعَظِيمُ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَعْنِي الْحُصُونَ. وَقَالَ عَبْدُ الرحمن بن عباس عن قوله: (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) قَالَ: هي الخشب العظام المقطعة.
[٣٣] ﴿كَأَنَّهُ﴾ [المرسلات: ٣٣] رد الكناية إلى اللفظ، ﴿جِمَالَتٌ﴾ [المرسلات: ٣٣] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ (جِمَالَةٌ) عَلَى جَمْعِ الْجَمَلِ مِثْلُ حَجَرٍ وَحِجَارَةٍ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ بِضَمِّ الْجِيمِ بِلَا أَلِفٍ، أَرَادَ الْأَشْيَاءَ الْعِظَامَ الْمَجْمُوعَةَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (جِمَالَاتٌ) بِالْأَلِفِ وَكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى جَمْعِ الْجِمَالِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ حِبَالُ السُّفُنِ يُجْمَعُ بَعْضُهَا إِلَى بعض، حتى يكون كأوساط الرجال، ﴿صُفْرٌ﴾ [المرسلات: ٣٣] جَمْعُ الْأَصْفَرِ، يَعْنِي لَوْنَ النَّارِ، وَقِيلَ: الصُّفْرُ مَعْنَاهُ السُّودُ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ شَرَرَ نَارِ جَهَنَّمَ أَسْوَدُ كَالْقِيرِ»، وَالْعَرَبُ تُسَمِّى سُودَ الْإِبِلِ صُفْرًا لِأَنَّهُ يَشُوبُ سَوَادَهَا شَيْءٌ مِنْ صُفْرَةٍ كَمَا يُقَالُ لِبَيْضِ الظِّبَاءِ: أُدْمٌ، لِأَنَّ بَيَاضَهَا يَعْلُوهُ كُدْرَةٌ. ٣٤،
[٣٥] ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ - هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ﴾ [المرسلات: ٣٤ - ٣٥] أي في القيامة لأن فيها مَوَاقِفُ، فَفِي بَعْضِهَا يَخْتَصِمُونَ وَيَتَكَلَّمُونَ، وَفِي بَعْضِهَا يُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَلَا يَنْطِقُونَ.
[٣٦] ﴿وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات: ٣٦] قَالَ الْجُنَيْدُ: أَيْ لَا عُذْرَ لِمَنْ أَعْرَضَ عَنْ مُنْعِمِهِ وَكَفَرَ بِأَيَادِيهِ وَنِعَمِهِ. ٣٧،
[٣٨] ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ - هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ [المرسلات: ٣٧ - ٣٨] بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ﴿جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ﴾ [المرسلات: ٣٨] يَعْنِي مُكَذِّبِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالْأَوَّلِينَ الذين كانوا أَنْبِيَاءَهُمْ.


الصفحة التالية
Icon