قد هداه، فلماذا يسأل الهدى؟ وأن المراد التثبيت، أو مزيد الهداية١.
بل العبد محتاج إلى أن يُعلِّمه الله ما يفعله من تفاصيل أحواله، وإلى ما يتركه من تفاصيل الأمور في كل يوم، وإلى أن يلهمه أن يعمل ذلك، فإنه لا يكفي مجرّد علمه، إن لم يجعله مريداً للعمل بما يعلمه، وإلاَّ كان العلم حجة عليه، ولم يكن مهتدياً، والعبد محتاج إلى أن يجعله الله قادراً على العمل بتلك الإرادة الصالحة٢، فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، وما لا نريد فعله تهاوناً وكسلاً مثل ما نريده أو أكثر منه أو دونه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك، وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله، فأمر يفوت الحصر، ونحن محتاجون إلى الهداية التامّة، فمن كملت له هذه الأمور، كان سؤاله سؤال تثبيت٣، وهي آخر الرتب. وبعد ذلك كله هداية أخرى، وهي الهداية إلى طريق الجنة في الآخرة٤؛ ولهذا كان الناس مأمورين بهذا الدعاء في كل صلاة، لفرط حاجتهم إليه، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى هذا الدعاء٥، فيجب أن يعلم أن الله بفضل رحمته جعل هذا الدعاء من أعظم الأسباب المقتضية للخير، المانعة من الشر، فقد بيَّن القرآن أن السيئات من النفس، وإن كانت بقدر الله، وأن الحسنات كلها من الله تعالى٦.

١ أورد السؤال والجوابين السمعاني في تفسير القرآن (١/٣٨)، ونحو هذا في كثير من كتب التفسير. انظر تفسير القرآن لأبي الليث (١/٨٣)، ومعالم التنزيل (١/٤١)، والكشاف (١/٦٦)، والتفسير الكبير (١/٢٠٥). وقد فسر الطبري الآية في جامع البيان (١/٦٦) بالقول الأول فقال: "وفقنا للثبات عليه".
٢ من أول كلام المؤلف إلى هنا موجود في مجموع فتاوى شيخ الإسلام (١٤/٣٢٠، ٣٢١). وكذلك هو في الحسنة والسيئة لشيخ الإسلام نفسه، ص (٨٣، ٨٤).
٣ انظر بدائع الفوائد (٢/٣٨) ففيه نحو ما ذكر المؤلف هنا.
٤ انظر المحرر الوجيز (١/٧٨).
٥ من قوله: ((ولهذا)) إلى ((الدعاء)) مأخوذ بنصه من كتاب الحسنة والسيئة، ص (٨٤).
٦ شرح العقيدة الطحاوية، ص (٥١٩، ٥٢٠) ونحو هذا أعاده في ص (٨٠٠).


الصفحة التالية
Icon