والخبر، فقال الله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ﴾ ١ فجعل ذلك منهم شهادة، وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة، ولم يؤدوها عند غيرهم. وأما مرتبة الإعلام والإخبار، فنوعان: إعلام بالقول، وإعلام بالفعل، وهذا شأن كل مُعْلم لغيره بأمرٍ، تارةً يعلمه به بقوله، وتارةً بفعله؛ ولهذا كان من جعل داره مسجداً، وفتح بابها، وأفرزها بطريقها، وأذن للناس بالدخول والصلاة فيها، معلماً أنها وقف، وإن لم يتلفظ به … وكذلك شهادة الرب عز وجل وبيانه وإعلامه، يكون بقوله تارةً، وبفعله أخرى، فالقول ما أرسل به رسله، وأنزل به كتبه، وأما بيانه وإعلامه بفعله، فكما قال ابن كيسان٢: شهد الله بتدبيره العجيب، وأموره المحكمة عند خلقه، أنه لا إله إلا هو٣. وقال آخر٤:
وفي كل شيء له آية... تدل على أنه واحد
ومما يدل على أن الشهادة تكون بالفعل قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ ٥ فهذه شهادة منهم على أنفسهم
٢ لعله: محمد بن أحمد بن كيسان البغدادي النحوي، له تصانيف في القراءات والغريب والنحو (ت: ٢٩٩ ؟). انظر العبر (١/٤٣٧).
٣ أورده ابن الجوزي في زاد المسير (١/٣٦٢) منسوباً إليه. وباختصار شديد ذكره أبو حيان في البحر (٢/٤١٩) منسوباً إليه، وابن القيم في مدارج السالكين (٣/٤٧٣).
٤ هو أبو العتاهية. انظر أبا العتاهية أشعاره وأخباره، ص (١٠٤)، والأغاني (٤/٣٥)، والبحر المحيط (٢/٤١٩).
٥ سورة التوبة، الآية: ١٧.