من مصلحة خروجهم، فاقتضت الحكمة والرحمة أن أقعدهم عنه١.
… قال تعالى: ﴿فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾ ٢ الخلاق: النصيب، قال تعالى: ﴿وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ﴾ ٣، أي استمتعتم بنصيبكم من الدنيا، كما استمتع الذين من قبلكم بنصيبهم٤، ﴿وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا﴾، أي: كالخوض الذي خاضوه، أو كالفوج، أو الصنف، أو الجيل الذي خاضوا٥. وجمع سبحانه بين الاستمتاع بالخلاق وبين الخوض؛ لأن فساد الدين إمَّا في العمل، وإمَّا في الاعتقاد، فالأول من جهة الشهوات. والثاني من جهة الشبهات٦.
وروى البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "لتأخُذَنَّ أمتي مآخذ القرون قبلها شبراً بشبر، وذراعاً بذراع" قالوا: فارس والروم؟ قال: "فمن الناس إلا أولئك" ٧.

١ شرح العقيدة الطحاوية، ص (٣٣٣، ٣٣٤)، ويظهر أن المؤلف اطلع على كلام ابن القيم في هذا. انظر بدائع التفسير (٢/٣٥٧).
٢ سورة التوبة، الآية: ٦٩.
٣ سورة البقرة، الآية: ٢٠٠. وانظر جامع البيان (٤/٢٠٣) تجد ابن جرير يُفسِّر الخلاق بما قال المؤلف.
٤ نحو هذا التفسير الذي قاله المؤلف في معالم التنزيل (٢/٣٠٩)، وفتح القدير (٢/٣٩٨).
٥ نحو هذا التقدير الذي ذكره المؤلف قاله الزمخشري في الكشاف (٢/٢٠١) ولعل المؤلف أخذه منه.
٦ من قوله: (وجمع)، إلى قوله: (الشبهات) مأخوذ من كلام الإمام ابن القيم بتصرف يسير. انظر بدائع التفسير (٢/٣٦٧).
٧ شرح العقيدة الطحاوية، ص (٣٣٨، ٣٣٩). وهناك أحاديث غير هذا الحديث أوردها المؤلف هنا، وهي بمعنى هذا الحديث. وهذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه مع الفتح برقم (٧٣١٩)، والإمام مسلم في صحيحه برقم (٢٦٦٩) وقد أشار طائفة من المفسرين إلى هذا الحديث، أو ما في معناه عند تفسير هذه الآية. انظر جامع البيان (١٤/٣٤١، ٣٤٢)، وتفسير القرآن للسمعاني (٢/ ٣٢٦)، ومعالم التنزيل (٢/٣٠٩)، وتفسير القرآن العظيم (٢/٣٦٩).


الصفحة التالية
Icon