لا للفناء١، وكذلك العرش فإنه سقف الجنة. وقيل: المراد إلا ملكه٢. وقيل: إلا ما أريد به وجهه٣. وقيل: إن الله تعالى أنزل ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ ٤ فقالت الملائكة: هلك أهل الأرض، وطمعوا في البقاء، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَه﴾ ؛ لأنه حي لا يموت،
فأيقنت الملائكة - عند ذلك - بالموت٥. وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين

١ لأن المعتزلة احتجت بهذه الآية على أن الجنة والنار غير مخلوقتين الآن. انظر التفسير الكبير (٢٥/٢٢). ومن قول المؤلف: (كل شيء) إلى قوله (لا للفناء) نقله ابن القيم في حادي الأرواح، ص (٨٠) ونسبه إلى الإمام أحمد.
٢ قاله الإمام البخاري في صحيحه ـ مع الفتح ـ (٨/٥٠٥)، وأورده أبو الليث في بحر العلوم (٢/٥٢٩).
٣ قاله سفيان الثوري في تفسيره، ص (٢٣٤)، وحكاه الإمام البخاري في صحيحه (٨/٥٠٥)، وأبو الليث في تفسير القرآن (٢/٥٢٩). وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٩/٣٠٢٨) عن مجاهد، لكن بإسناد فيه ضعف، لأنه من طريق خصيف، وأورده السيوطي في الدر المنثور (٥/١٤٠) عن ابن عباس ومجاهد وسفيان.
٤ سورة الرحمن، الآية: ٢٦.
٥ حكاه ابن القيم في حادي الأرواح، ص (٧٩) ونسبه للإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله، وأورده السيوطي في الدر المنثور (٥/١٤٠) بنحوه عن ابن جريج.
وقد رجح شيخ الإسلام قول من قال: إلا ما أريد به وجهه. وذلك بكلام جيد يطول نقله، منه أن قال: (وإذا كان المقصود هنا الكلام في تفسير الآية فنقول: تفسير الآية بما هو مأثور ومنقول عن من قاله من السلف، والمفسرين، من أن المعنى: كل شيء هالك إلا ما أُريد به وجهه هو أحسن من ذلك التفسير المحدث). وقال أيضاً: (فإن ذكره ذلك بعد نهيه عن الإشراك، وأن يدعو معه إلهاً آخر ـ وقوله ﴿لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ﴾ ـ يقتضي أظهر الوجهين، وهو أن كل شيء هالك إلا ما كان لوجهه من الأعيان والأعمال وغيرهما). مجموع الفتاوى (٢/٢٨، ٤٢٧). وخلاصة هذا الكلام المنقول أن تفسير الآية بالوجه المذكور ـ أعني إلا ما أريد به وجه الله ـ يترجح لسببين. الأول: أنه القول المأثور عن السلف. والثاني: أن سياق القرآن يدل عليه.


الصفحة التالية
Icon