﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ ١ فالضمائر كلها راجعة إلى هذا المعلم الشديد القوى٢، وأما الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء٣ فذلك صريح في أنه دنو الرب تعالى وتدليه٤. وأما الذي في سورة النجم أنه رآه نزلة أُخرى عند سدرة المنتهى فهذا هو جبريل، رآه مرتين، مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى٥.

١ سورة النجم، الآيات: ٥-٨.
٢ هذا أحد قولي العلماء، وهو القول الصحيح، وعليه جمهور العلماء، كما قال ابن عطية في المحرر (١٥/٢٥٩). ونسبه السمعاني في تفسير القرآن (٥/٢٥٨) إلى أكثر المفسرين، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١١/٢٣٤، ٢٣٥)، ورجحه الإمام ابن القيم في زاد المعاد (٢/٤٨) وقال: إن السياق يدل عليه. ووصفه ابن جزي في التسهيل (٤/١٣٦) بالصحيح، وهو قول ابن كثير في تفسيره (٤/٢٤٨، ٢٥٠).
٣ حديث الإسراء في صحيح البخاري برقم (٧٥١٧) وأشار إليه مسلم في صحيحه تحت رقم (١٦٢).
٤ يريد المؤلف أن يفرق بين الدنو والتدلي الَّذِي في الآيات، وبين الدنو والتدلي الذي في حديث الإسراء، فلا يصلح أن تُفسَّر آيات سورة النجم بما في حديث الإسراء، وهكذا قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد (٢/٤٨). وقال ابن كثير في تفسيره (٣/٤) :(وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي في حديث شريك زيادة تفرد بها على مذهب من زعم أنه ﷺ رأى الله عز وجل ـ يعني قوله: ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ـ قال: وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل أصح. وهذا الذي قاله البيهقي رحمه الله في هذه المسألة هو الحق فإن أبا ذر قال: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: (نور أنى أراه) وفي رواية (رأيت نوراً). أخرجه مسلم. وقوله: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ إنما هو جبريل عليه السلام كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هو في صحيح مسلم عن أبي هريرة، ولا يُعرف لهم مخالف في تفسير هذه الآية بهذا).
٥ شرح العقيدة الطحاوية، ص (٢٧٥).


الصفحة التالية
Icon