(أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون) (١٧)
المفردات:
- خلق: أوجد الأشياء بعد أن لم تكن موجودة.
المعنى الإجمالي:
بعد أن بينت الآيات السابقة عظيم قدرة الله سبحانه في الخلق، وقدرته على الخلق، تنكر هذه الآية على المشركين اتخاذهم آلهة غير الله؛ لأن الله سبحانه هو الخالق فكيف يجعلون المخلوق كالخالق؟ إن هذا أمر لا يستقيم ولا يكون.
وتدعو الآية أهل العقول إلى الاتعاظ بخلق الله - سبحانه وتعالى - حتى لا يعبد معه شيء.
المعنى التفصيلي:
- الاستفهام في الآية (أفمن) استفهام استنكاري، وصيغة الاستفهام الاستنكاري تصلح في الأمور الواضحة التي لا لبس فيها؛ لأنه لو كان في الأمر شيء يسير جدا من الغموض لأصبحت الصيغة تدل على الاستعلام لا الاستنكار، وهذا يدل على أن ما جعله العرب من الشرك أمر ظاهر السوء والخطأ إلى درجة لا يلتبس على السامع أن هذا الاستفهام استنكاري لا استعلامي، وأن العرب الذين كانوا يمارسون هذا الشرك يعملون هذه الحقيقة علما لا لبس فيه ولا غبش.
الذي يخلق هو الله، والذي لا يخلق هو كل شيء غير الله، والمقصود به ما يعبده العرب من الأصنام، ويندرج تحت الدلالة كل ما يعبد من دون الله في أي زمان أو أي مكان.
- عبر عن الأصنام غير العاقلة بصيغة التعبير عن العاقل (من لا يخلق) وليس: "ما لا يخلق "؛ لأن المشركين أجروها مجرى العقلاء بعبادتها.
ولكن قد يقال: إن المقصود في الآية نفي أن يكون العقلاء شركاء لله، وبالأولى فالجمادات أبعد من أن يكونوا شركاء لله.
وهذا المعنى صحيح ولكنه لا يصح تفسيرا للآية؛ لأن الآية تخاطب العرب في شأن الأصنام خاصة بدليل ما بعد هذه الآية (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون (٢٠) أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون (٢١)) (النحل).
حيث جاء الكلام عن الآلهة بصيغة العقلاء (الذين) وبعدها وصفت الآلهة بأنها ميتة غير قابلة للحياة، وهذا الوصف ينطبق على الأصنام عند العرب، والخطاب ابتداء للعرب، وإنما قلت ما قلت لبيان سبب الكلام عن الجمادات بأسلوب العقلاء، وإلا فلا أحد غير الله سبحانه شريك مع الله.
- جاءت الصيغة (أفمن يخلق كمن لا يخلق) وليس: " أفمن لا يخلق كمن يخلق " لأن الاستنكار في هذه الآية متجه إلى الحط من منزلة الربوبية، وإلى كل ما فعله المشركون في هذا الشرك، وليس الاستنكار متجه إلى سوء الفعلة لأنها مخالفة للحق فقط.
وكما قيل:
ألم تر أن السيف ينقص قدره إن قيل يوما إن السيف أمضى من العصا.
فإذا جعلت العصا كالسيف، فإن الذي حط من منزلته هو السيف لا العصا، فإذا أردنا استنكار الفعلة لأنها مخالفة للحق، واستنكار حط منزلة السيف، قلنا: أتجعل السيف كالعصا؟! أما إذا أردنا استنكار الفعلة لأنها مخالفة للحق فقط، قلنا: أتجعل العصا كالسيف؟!
لأن الاستنكار في هذه الآية متجه إلى الحط من منزلة الربوبية، وإلى كل ما فعله المشركون في هذا الشرك، وليس الاستنكار متجه إلى سوء الفعلة لأنها مخالفة للحق فقط، جاءت الصيغة (أفمن يخلق كمن لا يخلق) وليس: " أفمن لا يخلق كمن يخلق ".
- جاء التعبير بـ (تذكرون) وليس " تفكرون " أو " تعقلون " لأن الأمر ظاهر واضح لا يحتاج إلا إلى إزاحة الغفلة عن هذه القلوب وهذه العقول.


الصفحة التالية
Icon