(إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون)... (٢٢)
المفردات:
- منكرة: جاحدة.
- مستكبرون: متعالون ومتعاظمون.
المعنى الإجمالي:
بعد أن بينت الآيات السابقة بطلان دعوى ألوهية الأصنام، جاءت هذه الآية لتقرر حقيقة الحقائق أن الله - سبحانه وتعالى - هو الإله الواحد الذي لا شريك له، وأن الكفار يجحدون هذه الحقيقة وهم يستكبرون عن الإيمان.
المعنى التفصيلي:
إن كل الأدلة على اختلاف أنواعها، عقلية أو نقلية عن طريق الوحي، قاضية بأن الله سبحانه وتعالى هو الإله الواحد، وأنه لا شريك له، وأنه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولكن رغم هذا كله فإن فريقا من الناس ما زالوا يكفرون بالله سبحانه، وهذا أمر مخالف لما تدل عليه كل المقدمات، وهذا معنى الفاء في قوله (فالذين) أي من عجيب الأمر أن تكون النتيجة هكذا بعد كل الأدلة والبراهين.
- ولكن لماذا وصف الكفار بأنهم لا يؤمنون بالآخرة دون باقي أركان الإيمان، كالإيمان بالرسل والكتب والملائكة وغيرها؟
قد خص وصف الكفار بأنهم لا يؤمنون بالآخرة؛ لأن من لا يؤمن بالآخرة وثوابها وعقابها فإنه لا بد وأن يتعلق قلبه بالدنيا العاجلة، وهذا التعلق يجعله يرفض أي شيء يخالف هواه، فيتعامى عن الحق تعاميا، ويغفل عن الصواب استغفالا.
ولذا لا يرتجى ممن لا يؤمن باليوم الآخر الإقبال على الحق إلا بعد أن يهتدي إلى أن هنالك ثواب وعقاب، فينخلع التعلق بالعاجلة من قلبه مما يفسح المجال لقلبه أن يرى الدلائل والبراهين والآيات.
- (قلوبهم منكرة) أي قلوبهم جاحدة، وجاء التعبير بالجملة الاسمية للدلالة على الثبات.
- وجاء الإخبار عن قلوب الكفار بالاسم (منكرة) ليدل على رسوخها في الإنكار ودوامها عليه، ولو جاء الإخبار بالفعل (تنكر) لاحتمل أنها تؤمن بأشياء وتنكر أشياء، ولكن الإخبار بالاسم (منكرة) ينفي هذا الاحتمال، فهي منكرة على الدوام ولكل شيء.
- وفي كون (منكرة) اسم فاعل، رد على من يدعي أن كفر الكفار جبر من الله، وأن إيمان المؤمنين جبر من الله، وهذا القول قاله طائفة ضالة يقال لهم الجبرية، قالوا: إن الكفر والإيمان جبر على العباد، وهذا القول مردود بنصوص كثيرة وهذا واحد منها.
- (وهم مستكبرون) حالهم أنهم يتعالون عن الإذعان للحق، وجاء التعبير بالجملة الاسمية لبيان عظيم استكبارهم؛ لأن الجملة الاسمية تدل على الثبات.
- وجاء الإخبار عنهم بالاسم (مستكبرون) وليس:" يستكبرون " لأن الفعل قد يدل على الاستكبار في حين دون حين، ولكن الاسم يدل على الدوام.
- إن التعبير باسم الفاعل (مستكبرون) يدل على أن الاستكبار صفة ملازمة لهم، وأنها باختيارهم لا جبرا عليهم.
- وتدل كلمة (مستكبرون) على أن الكفار ليسوا حقيقة كبارا، بل هم مستكبرون، أي يطلبون العظمة والكبرياء طلبا، ويتكلفون العظمة تكلفا، ولكنهم لم يبلغوها ولن يبلغوها، فهم يتصرفون على غير ما يجوز لهم.
- جمعت الآية حقيقة الكفار الداخلية بكفر قلوبهم (قلوبهم منكرة)، وحالهم الخارجية البادية للعيان (وهم مستكبرون)؛ لأن الاستكبار لا بد وأن يظهر عيانا أمام الناظرين.