(ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) (٢٧)
المفردات:
- يخزيهم: يذلهم، والخزي: الذل والهوان.
- تشاقون: تخاصمون.
المعنى الإجمالي:
بعد أن بينت الآية السابقة عقوبة الذين مكروا في الدنيا، تبين هذه الآية عقوبتهم وعقوبة أمثالهم في الآخرة.
فإن للمشركين في الآخرة الذل والهوان، وسيوبخهم الله على ما اتخذوا من شركاء يعبدونهم مع الله، ويقول لهم: أين الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء لي، بل وكنتم تعادون لأجلهم؟
إن هؤلاء الشركاء ليس لهم قيمة، فالله هو الإله الحق.
وعندما يسكت المشركون عاجزين عن الإجابة، يقول الأنبياء والمؤمنون: إن الخزي اليوم والعذاب على الكافرين.
المعنى التفصيلي:
- (ثم) في قوله تعالى (ثم يوم القيامة) قد تفيد التراخي الزمني بين جزاء الدنيا وجزاء الآخرة، أو قد تفيد التفاوت العظيم بين الجزاءين، لأن جزاء الآخرة أعظم من جزاء الدنيا.
- جاء تقديم ذكر (يوم القيامة) على (يخزيهم) في قوله تعالى (ثم يوم القيامة يخزيهم) لأهمية يوم القيامة؛ لأن ذكر يوم القيامة بحد ذاته يعتبر تهديدا للمشركين، وفي هذا إبراز ليوم الجزاء عند قوم لا يقيمون له وزنا، كأنه يقال للمشركين " احذروا يوم القيامة الذي يخزيكم الله فيه "
- (أين) للسؤال عن المكان؟ ولا يدل السؤال عن مكانهم أنهم غير موجودين، فإن من المعبودين في الدنيا من هو موجود في الآخرة، ولكن هذا السؤال للتوبيخ والتهكم والسخرية، كأنه يقال لهم أين هم لينصروكم؟ كما يقال في حق العاجزين رغم وجودهم: أين هم لينصروا غيرهم؟
- قال تعالى (شركائي) فأضاف الشركاء إلى نفسه، وهذا فيه عظيم التهكم بهم، أي: جعلتم هؤلاء العاجزين شركاء لي! أين عقولكم ما أسخفكم؟!
- أصل (تشاقون) من الشق، والتعبير بالشق فيه إشارة إلى عدة أمور:
الأول: الصعوبة؛ حيث بذل الكفار الجهد والطاقة لمفارقة المسلمين، ولم يفارقوهم بيسر بل بذلوا الكثير لأجل هذه المفارقة.
الثاني: تدل على أن الأصل في المشركين أن يكونوا من الموحدين لله، لأن الانشقاق يكون في الشيء الواحد، فهم قد انشقوا عن المؤمنين، ولو لم ينشقوا عنهم لكانوا منهم، ففطرة البشر على التوحيد إلا من انشق عنهم وخرج.
- قرأ نافع (تشاقون) بكسر النون على حذف ياء المتكلم، أي تخاصمونني وتعادونني، فالمفعول على هذا هو ضمير المتكلم وهو الله عز وجل.
وأما من قرأ بفتح النون، فالمفعول محذوف تقديره: تعادون الحق لأجلهم، وتظهر معاداتهم للحق بمعاداة دين الله والرسول والمؤمنين.
- جواب أهل العلم يدل على أن المؤمنين والكفار يسمعون بعضهم في هذا الموقف العظيم يوم القيامة، وجواب أهل العلم على مسمع الكفار مخز لهم أيما خزي، كيف لا؟! وقد كان الكفار في الدنيا يستهزئون من المؤمنين ويستحقرونهم؟! فقد جاء اليوم الحق الذي تظهر فيه الموازين الحق، إن الخزي اليوم والعذاب على الكافرين.
- جاء التعبير بالماضي (قال) في قوله تعالى (قال الذين أوتوا العلم) وذلك لأن وضع الماضي موضع المستقبل دلالة على قرب الوقوع وعلى تأكده، كقوله تعالى: (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة) (الأعراف: ٤٤) وقوله (ونفخ في الصور) (الكهف: ٩٩) فالفعل " نادى " و" ونفخ " فعلان ماضيان يتحدثان عن أمور مستقبلية؛ للدلالة على تحقق الفعل المستقبلي كأنه وقع.
- من هم الذين أوتوا العلم؟ إنهم الأنبياء والمؤمنون.
- وجاء التعبير بـ (أوتوا العلم) ولم يعبر بـ " أخذوا العلم " لأن علم الدين عطية من الله سبحانه، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) (البخاري: ٦٩) (مسلم: ١٧١٩). فجاء التعبير " يفقهه " وليس " يتفقه " والفرق بينهما واضح.
- العلماء هم أصحاب الجهر بالحق في الدنيا والآخرة، فلا بد ممن يريد أن يحمل راية الحق، أن يكون من أهل العلم بهذا الحق، اللهم اجعلنا في زمرة أهل الحق الذين أوتوا العلم!
- جاءت جملة (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) مؤكدة؛ زيادة في بيان سوء عاقبة المشركين.
- ما الفرق بين الخزي والسوء؟
الخزي هو: الانكسار وهو الذل.
والسوء هو: كل ما يغم الإنسان من الأمور، سواء كانت هذه الأمور دنيوية أو أخروية، وسواء كانت نفسية أو بدنية، وسواء كانت في أبداننا أو خارجة عنا كضياع مال أو منصب.
فالسوء أعم من الخزي؛ لأن الخزي نوع من أنواع السوء، ولكنه قدم بالذكر لأهميته في هذا السياق؛ لأن المشركين كانوا في عزة بشركهم، فجاء التقديم ليقول لهم: ليس في شرككم عز، بل لكم بسببه الخزي.
ولذا جاء التعبير بـ (يخزيهم) وليس " يسوؤهم " في قوله تعالى (ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم).
ولأن الموقف في البداية كان موقف خزي للمشركين، ثم بعد ذلك يتحول المشركون إلى العذاب في نار جهنم.
- وفائدة ذكر (اليوم) في قوله تعالى (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) إشارة إلى ما كان عليه الكفار في الدنيا من العزة والشقاق، فإن لهم في الآخرة الخزي.
- جاء التعبير بـ (على) في قوله تعالى (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) ولم يأت " والسوء للكافرين " لأن (على) تدل على تمكن الخزي والسوء من الكافرين.