أنْ يدَّعي أنه كذلك في عمومِ الأحوال، فأما أن يجعله شريجين١، فيزعُمُ أنه للفائدةِ في بعضِها، وللتصرُف في اللفظِ مِنْ غيرِ معنًى في بعض، فمما ينبغي أن يَرْغَبَ عن القولِ به.
١٠٤ - وهذه مسائلُ لا يَستطِيع أحدٌ أن يَمتنِعَ من التَّفرقةِ بينَ تقديمِ ما قُدِّمَ فيها وتَرْكِ تقديمه.
مسائل الاستفهام بالهمزة والفعل ماض:
ومِنْ أَبْيَن شيءٍ في ذلك "الاستفهامُ بالهمزةِ"، فإنَّ موضعَ الكلام على أَنك إِّذا قلتَ: "أَفَعلْتَ؟ "، فبدأتَ بالفعل، كان الشكُّ في الفِعل نَفْسِه، وكان غَرضُكَ مِن استفهامِك أنْ تَعْلم وُجودَه.
وإِذا قلتَ: "أأَنْتَ فعلتَ؟ "، فبدأْتَ بالاسمِ، كان الشكُّ في الفاعِل مَنْ هوَ، وكان التردُّدُ فيه. ومثالُ ذلك أَنَّك تقولُ: "أَبَنَيْتَ الدارَ التي كنتَ على أنْ تَبْنِيهَا؟ "، "أَقُلْتَ الشِّعرَ الذي كان في نفسكَ أنْ تقولَهُ؟ "، "أفرغت من الكتائب الذي كنتَ تَكتُبُه؟ "، تبدأ في هذا ونحْوهِ بالفعل، لأنَّ السؤالَ عنِ الفعلِ نفْسهِ والشكَّ فيه، لأنَّك في جميع ذلك متردِّدٌّ في وجودِ الفعل وانتفائه، مُجوِّزٌ أَنْ يكونَ. قد كانَ، وأنْ يكونَ لم يَكُنْ.
وتقولُ: "أأَنْتَ بَنَيْتَ هذهِ الدارَ؟ "، "أأنْتَ قلتَ هذا الشعرَ؟ "، "أأَنتَ كتبْتَ هذا الكتابَ؟ "، فتَبْدأ في ذلك كله بالاسم، ذاك لأنك لم تَشُكَّ في الفعل أنه كانَ. كيفَ؟ وقد أشرْتَ إلى الدارِ مَبْنية، والشِّعر مَقُولاً، والكتابِ مكتوباً، وإِنما شكَكْتَ في الفاعل مَن هو؟

١ في المطبوعة "أن يجعله بين بين"، و "شريحان"، لونان مختلفان في كل شيء، يعني قسمين متساويين.


الصفحة التالية
Icon