ومثلُ ذلك قولُكَ للرجلِ يدَّعي أمراً وأنتَ تُنْكِره١: "متى كان هذا؟ أفي ليلٍ أم نهار؟ " وتضع الكلامَ وضْعَ مَنْ سَلَّم أنَّ ذلك قد كانَ، ثم تُطالبه ببيانِ وقتهِ، لكي يَتَبيَّنَ كذبَهُ إِذا لم يَقْدر أن يَذكُرَ له وقتاً ويُفتضَح. ومثلُهُ قولُكَ: "مَنْ أَمرَكَ بهذا مِنَّا؟ وأَيُّنا أَذِنَ لكَ فيه؟ "، وأنتَ لا تَعني أنَّ أَمْراً قد كانَ بذلك مِنْ واحدٍ منكمِ، إِلاّ أنَّكَ تَضَعُ الكلامَ هذا الوضْعَ لكي تُضيِّقَ عليه، ولِيَظْهَر كَذِبُه حينَ لا يَستطيعُ أنْ يقولُ: "فلانٌ"، وأَنْ يُحيلَ على واحد٢.
تقديم الفعل وتقديم الاسم والفعل مضارع في الاستفهام:
١٠٧ - وإِذ قد بينَّا الفَرْقَ بينَ تَقديمِ الفعلِ وتقديم الاسم، والفعلُ ماضٍ، فينبغي أن تنظر فيه والفعلُ مضارعٌ.
والقولُ في ذلك أَنك إِذا قلت: "أَتفَعلُ؟ " و "أَأَنْتَ تَفعل؟ " لم يَخْلُ من أن تُريدَ الحالَ أوِ الاستقبالَ. فإِنْ أردتَ الحالَ كان المعنى شَبيهاً بما مَضى في الماضي، فإِذا قلتَ: "أتفعلُ؟ " كان المعنى على أنكَ أردتَ أن تُقرِّره بفعلٍ هو يفعلُه، وكنتَ كمَن يُوهِمِ أنه لا يَعلمُ بالحقيقةِ أنَّ الفعلَ كائنٌ وإِذا قلتَ: "أأَنتَ تَفْعل؟ "، كان المعنى على أنك تريدُ أن تُقرِّره بأنه الفاعلُ، وكانَ أمْرُ الفعلِ في وجودِه ظاهراً، وبحيثُ لا يُحتاج إِلى الإِقرارِ بأنه كائن وإِن أردتَ بـ "تَفْعلُ" المستقبلَ، كان المعنى إِذا بدأْتَ بالفعلِ على أنك تَعْمد بالإِنكارِ إِلى الفعل نفسه، وتَزعم أنه لا يكونُ، أو أنَّه لا ينبغي أن يكون، فمثال الأول:

١ في "ج": "قول الرجل"، سهو منه.
٢ في "س": "على أحد".


الصفحة التالية
Icon