وكقول الآخر:
نَحْنُ في المَشْتاةِ نَدْعُو الجفَلى١
وذلك أنَّ مِن شأنِ المادِح أنْ يَمْنعَ السَّامعينَ منَ الشَكَّ فيما يَمدح به، ويباعدَهُم مِن الشُّبهة، وكذلك المفتخر.
تقديم المحدث عنه بعد واو الحال:
١٣٢ - ويَزيدُكَ بَياناً أَنه إذا كان الفعلُ مما لا يُشَكُّ فيه ولا يُنْكَر بحالٍ، لم يَكَدْ يجيءُ على هذا الوجه، ولكنْ يُؤتى به غيرَ مبنيٍّ على اسمٍ، فإِذا أَخبرْتَ بالخروج مثلاً عن رَجلٍ من عادته أَنْ يَخْرج في كلَّ غداةٍ قلتَ: "قد خرجَ"، ولم تَحتَجْ إلى أن تقولَ: "هو قد خرَجَ"، ذاك لأنه ليسَ بشيءٍ يَشُكُّ فيه السامعُ٢، فتحتاجُ أن تُحقِّقه، وإلى أن تُقدِّم فيه ذكْرَ المحدَّثِ عنه. وكذلك إذا علمَ السامعُ من حالِ رجلٍ أنه على نيَّة الركوبِ والمضيِّ إلى موضعٍ، ولم يكن شَكٌّ وتردُّدٌ أنه يَرْكَب أو لا يَركَبُ، كان خَبَّركَ فيه أن تقولَ: "قد رَكِبَ"، ولا تقولُ٣: "هو قد ركبَ". فإِن جئتَ بمثلِ هذا في صلةِ كلامٍ، ووضعْتَه بَعْدَ واوِ الحال، حسُنَ حينئذٍ، وذلك قولُك: "جئتُه وهو قد ركبَ"، وذاك أنَّ الحكْم يتغيرُ إذا صارتِ الجملةُ فيمثل هذا الموضع، ويصير الأمر بمعرض

١ هو من شعر طرفة، في ديوانه، وتمامه:
لا ترى الآدب فينا ينتقر
و"المشتاة"، زمن الشتاء والجدب، و "الجفلي"، الدعوة العامة، و "التقري"، الدعوة الخاصة، يختار من يدعوهم وينتقرهم.
٢ من أول قوله هنا: "فتحتاج"، إلى قوله بعد قليل "علم" ساقط في "ج" سهوًا.
٣ في "س": "ولم تقل".


الصفحة التالية
Icon