واستعمال "مثل" و "غير" على هذا السببيل شيءٌ مركوزٌ في الطباع، وهو جارٍ في عادةِ كلِّ قومٍ. فأنتَ الآن إذا تصفَّحْتَ الكلامَ وجدْتَ هذين الاسمين يُقدِّمان أبداً على الفعل إذا نُحِيَ بهما هذا النحوُ الذي ذكرتُ لك، وترى هذا المعنى لا يَسْتقيم فيهما إذا لم يُقدَّما. أفلا تَرى أَنك لو قلت: "يثني الحزن عن صوبه مثلك"١ و "رعى الحق والحرمة مثلك"، و "يحمل على الأدهم والأشهب مثل الأمير"، و "ينخدع غيري بأكثر هذا الناس"، و "يأكل غيري المعروفَ سُحْتاً"، رأيتَ كلاماً مقلوباً عن جهتهِ، ومُغيَّراً عن صورتِه، ورأيتَ اللفظَ قد نَبَا عن معناهُ، ورأيتَ الطبْعَ يأبى أن يرضاه.

١ في المطبوعة: "يثني المزن".

مواضع التقديم والتأخير: قاعدة عامة
دستور في التقديم والتأخير في الاستفهام والخبر:
١٣٧ - واعلمْ أنَّ معَكَ دُستوراً لك فيه، إنْ تأملت، غني عن كل سِواهُ١، وهو أَنه لا يَجوز أن يكونَ لِنَظْم الكلامِ وتَرتيبِ أَجزائه في "الاستفهام" معنًى لا يكونُ لهُ ذلكَ المعنى في "الخبر". وذاكَ أنَّ "الاستفهامَ" استخبارٌ، والاستخبارَ هوُ طَلبٌ منَ المُخاطَب أن يُخْبرك. فإِذا كان كذلك، كان مُحالاً أن يَفْترِقَ الحالُ بينَ تقديمِ الاسمِ وتأخيرهِ في "الاستفهامِ"، فيكونُ المعنى إذا قلتَ: "أزيدٌ قام؟ " غيرَهُ إذا قلتَ: "أقامَ زيدٌ؟ "، ثم لا يكونُ هذا الافتراقُ في الخَبر، ويكونُ قولُك: "زيدٌ قام" و "قامَ زيدٌ" سواءً، ذاكَ لأنه يؤدِّي إلى أَنْ تستعملَه أمراً لا سبيلَ فيه إلى جوابٍ، وأن تَسْتَثْبِتَه المعنى على وجهٍ ليس عنده عبارةٌ يثبتُه لكَ بها على ذلك الوجه.
١ في هامش "ج" حاشية جار التصوير على أواخر أسطرها، فلا تستبين قراءتها.


الصفحة التالية
Icon