عليها أَدْفأَ وأَظَلَّ. ولا يجَيءُ هذا المعنى مع إظهار المفعول، إذْ لا تقول: "حجراتٍ من شَأْنِ مِثْلِها أن تُدفئنا وتُظلَّنا"، هذا لغوٌ من الكلام.
فاعرِفْ هذه النكْتَةَ، فإنَّك تَجدُها في كثير من هذا الفَنِّ مضمومةً إلى المعنى الآخر، الذي هو توفيرُ العناية على إثباتِ الفعلِ، والدلالةِ على أنَّ القصدَ من كر الفعلِ أن تُثْبتَه لفاعلهِ، لا أن تُعلِمَ التباسه بمفعوله.
زيادة بيان في الحذف الخفي:
١٦٤ - وإن أردتَ أنْ تزدادَ تَبييناً لهذا الأصل١، أعني وُجوبَ أنْ تُسْقِط المفعولَ لتتوفَّر العنايةُ على إثباتِ الفعل لفاعلِه ولا يَدخلَها شَوْبٌ، فانظرْ إلى قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ﴾ [القصص: ٢٣، ٢٤]، فيها حذف مفعول في أربعة مواضع، إذا المعنى: "وجدَ عليه أمةَ منَ الناس يَسْقون" أغنامهم أو مواشيهم و "امرأتين تذودان" غنمهما و "قالتا لا نَسْقِي" غنمَنَا "فسقى لهما" غنمَهَما.
ثم إنَّه لا يَخْفى على ذي بَصَرٍ أنه ليس في ذلك كلِّه إلاَّ أن يُتْرَكَ ذِكْرُه ويُؤْتى بالفعل مطْلقاً، وما ذاك إلاَّ أنَّ الغرضَ في أن يُعلَم أَنه كان منَ الناس في تلك الحال سَقْيٌ، ومن المرأتينِ ذَوْدٌ، وأنهما قالتا: لا يكونُ منَّا سقْيٌ حتى يُصْدِرَ الرعاءُ، وأنه كان مِنْ موسى عليه السلام من عبد ذلك سَقْي، فأمَّا ما كان المَسْقيُّ؟ أغَنماً أم إبلاً أم غيرَ ذلك، فخارجٌ عن الغرَض، ومُوْهِمٌ خِلافَه. وذاكَ أنه لو قيل: "وجَد مِنْ دونِهمْ امرأتينِ تَذُودانِ غنَمَهما"، جاز

١ في المطبوعة: "تبيينًا"، وفي "س": "لهذا الأمر".


الصفحة التالية
Icon