لم يكونوا كذلك١ لكان لا يكونُ عليهم مؤاخذةٌ فيما قالوه، من حَيْثُ كانت المؤاخذةُ تكونُ على اعتقادِ الاستهزاءِ والخديعةِ في إظهار الإيمان، لا في قول: "إنا استهزأنا" من غير أن يقتر بذلك القول اعتقاد ونية.
ما يوجب الاستئناف وترك العطف وأمثلته:
هذا، وههنا أمرٌ سِوَى ما مضَىَ يوجِبُ الاستئنافَ وتركَ العطفِ، وهو أنَّ الحكايةَ عنهم بأنهم قالوا كيتَ وكيتَ، تحرِّكُ السامعين لأن يعلموا مصيرَ أمرهم وما يصنع بهم، وأننزل بِهِمُ النِّقْمةُ عاجلاً أم لا تنزلُ ويُمْهلَونَ٢ وتوقع في أنفسهم التمني لأنْ يتبيَّنَ لهم ذلك. وإِذا كان كذلك، كانَ هذا الكلامُ الذي هو قولُه: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾، فيم عنى ما صدر جوابًا عن هذا المقدر مبتدأ غيرَ معطوف، ليكونَ في صورتِهِ إذا قيل: "فإِنْ سألتم قِيلَ لكم": ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون﴾.
٢٦٦ - وإذا استقريتَ وجدتَ هذا الذي ذكرتُ لك، من تنزيلِهم الكلام إذا جاء يعقب ما يقتضي سؤالًا٣، منزلته إذا صريح بذلك السؤالِ٤ كثيراً، فمن لطيفِ ذلك قولهُ:
زعم العوال أَنَّنِي في غَمْرَةٍ، | صَدَقُوا، ولكِنْ غَمْرَتِي لا تنجلي٥ |
"أنهم لو كانوا قالوا لكبرائهم | لكان لا يكون عليهم". |
"تحرك السامعين لأن يعلموا | وتوقع في أنفسهم التمني". |
٥ هو في المغني، باب الجمل التي لا محل لها من الإعراب، وفي شرح شواهد للسيوطي: ٢٧٠، ومعاهد التنصيص ١: ٢٨٠.