يفرجه به، ويجعل لنفسه فيه سبيلًا. فأت الآن تعلم أن لولا أنه قال: "تجوبُ له": فعلَّق "له الحبوب، لَمَا صلحَتْ "العَينُ" لأن يُسْنَد "تجوب" إليها، ولكان لا تَتَبَيَّنُ جهةَ التجوُّز في جعْل "تجوب" فعَلاً للعين كما ينبغي. وكذلك تَعْلم أنه لو قال مثلاً: "تجوبُ له الظلماءَ عينُه"، لم يكنْ له هذا الموقعُ، ولاضطْرَبَ عليه معناهُ، وانقَطَع السِّلْكُ من حيثُ كان يَعيبه حينئذٍ أن يَصِفَ العينَ بما وصفَها به الآنَ١ فتأملْ هذا واعتَبِرْهُ. فهذه التهيئةُ وهذا الاستعدادُ في هذا المجاز الحُكْمي، نظيرُ أنك تَراك في الاستعارةِ التي هي مجازٌ في نفسِ الكلمةِ وأنتَ تحتاجُ في الأمر الأكثرِ إلى أنْ تُمهِّد لها وتُقدِّم أو تؤخِّر ما يُعْلَمُ به أَنكَ مستعيرٌ ومُشبِّهٌ، ويُفتَحُ طريقُ المجاز إلى الكلمة.
٣٥٦ - ألا تَرى إلى قوله:
وصاعقةٍ من نَصْلِه يَنْكفي بها | عَلى أَرْؤُسِ الأقرانِ خمسُ سحائبِ٢ |
٣٥٧ - وأنشدوا لبعض العرب:
فإنْ تعافُوا العدلَ والإيْمانا | فإنَّ في أيْمَاننا نيرانا٣ |
٢ هو للبحتري في ديوانه.
٣ الرجز في الخصائص ٣: ١٧٦، ومعاهد التنصيص ٢: ١٣١ غير منسوب.