إذا ما تَقاضي المرءَ يومٌ ولَيلةٌ تَقاضاهُ شيءٌ لا يَملُّ التَّقَاضِيا١
فإِنك تَعرف حُسْنَها ومكانها من القبول، ثم انظر إليها فيبيت المتبني:
لَو الفَلَكُ الدوَّارُ أبغضْتَ سَعْيَهُ لعوَّقَهُ شيءٌ من الدوران٢
فإنك تراها تقل وتضول، بحَسب نُبْلها وحُسْنها فيما تقَدَّم.
٣٩ - وهذا بابٌ واسعٌ، فإِنك تَجدُ متى شئْتَ الرجلَيْن قد استعملا كَلِماً بأَعيانها، ثم تَرى هذا قد فَرعَ السِّماكَ٣، وتَرى ذاكَ قد لَصِقَ بالحَضيض، فلو كانتِ الكلمةُ إِذا حَسُنتْ حَسُنتْ من حيث هي لفظٌ، وإذا اسْتَحقَّت المزيةَ والشرفَ استحقَّتْ ذلك في ذاتِها وعلى انفرادِها، دونَ أن يكونَ السببَ في ذلك حالٌ لها مع أَخَواتها المجاورةِ لها في النَّظْم، لما اختلفَ بها الحال، ولكانت غما أن تحسن أبدًا، ولا تحسن أبدًا.
ولا ترى قولاً يضطربُ عَلَى قائلهِ حتى لا يَدْري كيف يُعبِّر، وكيف يُورد ويُصْدر، كهَذا القول. بل إنْ أردتَ الحقَّ، فإنَّه من جِنسِ الشَّيءِ يُجْري به الرجلُ لسانَه ويُطْلِقُه، فإِذا فتَّش نفْسَه، وجدَها تَعْلَم بُطْلانَه، وتنطوي عَلَى خلافه، ذلك لأَنَهُ مِمَا لا يقومُ بالحقيقةِ في اعتقادٍ، ولا يكون له صورة في فؤاد.
١ في ديوانه المجموع.
٢ في ديوانه، فراجعه. والضمير في "أبغضت" لكافور، وهو من القصيدة التي قالها في سنة ٣٤٨، والتي قال فيها أيضًا قصيدته الميمية حين ركبته الحمى، والتي عرض فيها بالرحيل عن كافور، وهي قصيدة مدح، ولكني أرى أنه كان ينفث في بعضها عما في صدره من الغيظ على كافور واستهانته به، ولذلك فأنا أعد لفظ "شيء" هنا مما يكشف عن هذه الاستهانة بكافور، ولو لحظ الشيخ عبد القاهر هذا الملحظ، لما عدها قليلة ضئيلة، بل كبيرة موجبة بما في نفسه.
٣ "السماك" نجم، وهما "سماكان" والرامح والأعزل. و "فرغ السماك" غلاه وجاوزه في الارتفاع.


الصفحة التالية
Icon