فإِنه يَنبغي أن يكونَ السببُ في كونها أَفْصَحَ وأحسَنَ، اللفظَ نفسَه١ وجدتَهم قد قالوا ذلك من حيثُ قاسوا الكلامَيْن على الكلمتَيْن، فلما رأَوْا أَنه إذا قيل في "الكلمتين" إنَّ معناهُما واحدٌ، لم يكنْ بينهُما تفاوتٌ، ولم يكن للمعنى في إِحداهما حالٌ لا يكون له في الأخرى٢ ظَنُّوا أن سبيلَ الكلامين هذا السبيلُ ولقد غَلِطوا فأَفْحَشوا، لأنه لا يُتصوَّرُ أنْ تكونَ صورةُ المعنى في أَحدِ الكلامَينِ أو البيتين، ثمل صورتِه في الآخَر البتَّةَ، اللَّهُمَّ إلاَّ أنْ يَعْمدَ عامِدٌ إلى بيتٍ فيضَعَ مكانَ كلِّ لفظة منه لفظةً في معناها، ولا يَعْرِضُ لنظْمهِ وتأليفه، كمثلِ أن يقولَ في بيت خطيئة٣:

دَعِ المَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيتهِا واقْعُدْ فإِنَّك أنتَ الطاعمُ الكاسي
ذَرِ المفاخرَ لا تَذْهَبْ لِمَطْلَبِها واجْلِسْ فإنكَ أنتَ الآكِلُ اللابسْ
وما كان هذا سبيله، كان بمعزلي من أنْ يكونَ به اعتدادٌ، وأنْ يَدخُلَ في قبيلِ ما يفاضَلُ فيه بين عبارتين، بل لا يصِحُّ أنْ يُجعلَ ذلك عبارةً ثانية، ولا أن يجعل الذي تعاطاه بِمَحَلِّ، مَنْ يوصَف بأنه أخذَ معنىً. ذلك لأنه لا يكونُ بذلك صانِعاً شيئاً يَستحقُّ أنْ يُدْعى من أجْلهِ واضعَ كلامٍ، ومستأنِفَ عبارة واقئل شعر. ذاك لأن بيت خطيئة لم يكُن كلاماً وشعراً مِن أجْل معاني الألفاظ المفردة التي تراها فيه، مجرَّدةً معرَّاةً من معاني النظْمِ والتأليفِ، بل منها مُتَوخىًّ فيها ما ترَى من كَوْن "المكارِم" مفعولاً "لدع"، وكونِ قوله: "لا ترحلْ لبغيتها" جملةً أكَّدتْ
١ السياق: "واعلم أنك إذا سبرت أحوال هؤلاء.... وجدتهم".
٢ السياق: "فلما رأَوْا أَنه إذا قيل في الكلمتين.... ظنوا".
٣ كتبه بغير لام التعريف، هنا وفيما بعد، والبيت الذي بعده قد مضيا في رقم: ٥٢٥.


الصفحة التالية
Icon