لا يُوفي النظرَ حقَّه. وكيف تكونُ مفكِّراً في نظم الألفاظ، وأنت لا تعقل لها أوصافاً وأحوالاً إذا عرفتَها عرفتَ أنَّ حقها أَن تُنْظَم على وجه كذا؟
رد شبهة في شأن "النظم":
٤٦ - ومما يلبِّس على الناظِر في هذا الموضع ويُغلِّطه، أنه يَستَبْعد أن يُقال: "هذا كلامٌ قد نُظِمتْ معانيهِ"، فالعُرْفُ كأنه لم يَجْرِ بذلك، إلاَّ أَنهم وإنْ كانوا لم يسَتعملوا "النظْمَ" في المعاني، قد استعملوا فيها ما هوَ بمعناهُ ونَظيرٌ له، وذلك قولُهم: "إنَّه يُرتِّبُ المعانيَ في نفسِه، ويُنْزِلها، ويَبْني بعضَها على بَعضٍ"، كما يقولون: "يُرتِّب الفروعَ على الأصول، ويُتْبع المعنَى المعنى، ويُلْحِق النظِير بالنظير".
وإذا كنت تعلم أنهم قد استعاروا النَّسْجَ والوشيَ والنقشَ والصياغَةَ لنفسِ ما استعاروا له "النظْم"، وكان لا يُشَكُّ في أنَّ ذلك كلَّه تشبيهٌ وتمثيلٌ يَرجع إلى أمورٍ وأوصافٍ تتعلقُ بالمعاني دونَ الألفاظِ، فمن حَقِّك أنْ تَعلم أنَّ سبيلَ "النظمِ" ذلكَ السبيلُ.
٤٧ - واعلمْ أنَّ مِنْ سبيلك أن تَعتمِدَ هذا الفصْلَ حَدّاً، وتَجْعل النُّكَتَ التي ذكرتُها فيه على ذُكْرٍ منكَ أبداً، فإِنها عَمَدٌ وأُصولٌ في هذا الباب١، إذا أنت مكَّنْتَها في نَفْسك، وجدْتَ الشُّبَه تنزاحُ عنك، والشكوكَ تَنْتفي عن قَلبك، ولا سيَّما ما ذكرتُ من أنه لا يُتَصوَّر أنْ تَعرِفَ للفظ موضعًا

١ "عمد"، جمع "عمدة"، وهو ما يعتمد عليه.


الصفحة التالية
Icon