والأمرُ في ذلك أظْهَرُ مِنْ أن يَخْفى، أو أن ينكره إلا جاهل أو معاند.
٤ - وإذا ثبت أنهم الأصل والقدوة، فإن علمهم العلم. فبنا أن ننظر في دلائل أحوالهم وأقوالهم حين تلى عليهم القرآن وتحدوا إليه، وملئت مسامعهم من المطالبة بأن يأتوا بمثله، ومن التقريع بالعجز عنه، وبت الحكم بأنهم لا يستطيعونه ولا يقدرون عليه.
وإذا نظرنا وجدناها تفصح بأنهم لم يشكوا في عجزهم عن معارضته والإتيان بمثله، ولم تحدثهم أنفسهم بأن لهم إلى ذلك سبيلًا على وجه من الوجوه.
٥ - ١أما "الأحوال" فدلت من حيث كان المتعارف من عادات الناس التي لا تختلف، وطبائعهم التي لا تتبدل، أن لا يسلموا لخصومهم الفضيلة وهم يجدون سبيلًا إلى دفعها، ولا ينتحلون العجز وهم يستطيعون قهرهم والظهور عليهم. كيف؟ وإن الشاعر أو الخطيب أو الكاتب يبلغه أن بأقصى الإقليم الذي هو فيه من يبأى بنفسه٢، ويدل بشعر يقوله، أو خطبة يقوم بها، أو رسالة يعملها، فيدخله من الأنفة والحمية ما يدعوه إلى معارضته، وإلى أن يظهر ما عنده من الفضل، ويبذل ما لديه من المنة، حتى إنه ليتوصل إلى أن يكتب إليه، وأن يعرض كلامه عليه٣، بعض العلل وبنوع من التمحل. هذا، وهو لم ير
٢ "بأى عليه يبأى بأوا"، فخر عليه وأظهر الكبر.
٣ السياق: "ليتوصل بعض العلل".